الْأَقْصَى تَعَيَّنَ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا لِمَزِيدِ فَضْلِهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَقُومُ مَسْجِدُ مَكَّةَ مَقَامَ الْآخَرَيْنِ لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمَا، وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِ، فَلَوْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَلَوْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ فِي نَذْرِهِ تَعَيَّنَ.
وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ مُعْتَكِفٌ، وَشَرْطُهُ إسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَخُلُوٌّ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ، فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ مَنْ اتَّصَفَ بِضِدِّ شَيْءٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الِاعْتِكَافَ فِيهَا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ الْمَدِينَةَ " الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا زِيدَ عَلَيْهِ لِاخْتِصَاصِ الْمُضَاعَفَةِ بِغَيْرِ الزِّيَادَةِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ) أَيْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، فَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي الْمَسَاجِدِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ غَيْرُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مُتَمَاثِلَةٌ فِي الْفَضْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ، فَلَا مَعْنَى لِلرَّحِيلِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لِيُصَلَّى فِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَنْبَغِي شَدُّ الرِّحَالُ لِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِأَجْلِ الزِّيَارَةِ كَشَدِّهَا لِزِيَارَةِ سَيِّدِي أَحْمَدْ الْبَدْوِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّدَّ لِلْمَكِينِ وَهُوَ الْوَلِيُّ لَا لِلْمَكَانِ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْمَكَانِ لَمَا ذَهَبَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَيْهِ بِقَصْدِ زِيَارَةٍ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْخَوَارِجِ حَيْثُ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ سَنِّ زِيَارَةِ أَوْلِيَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ كَالصَّلَاةِ، فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال، وَلَا يُضَاعَفُ غَيْرُهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ ق ل. وَلَا نَافِيَةٌ وَ " تُشَدُّ " مُضَارِعٌ مَجْهُولٌ، وَهُوَ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ النَّهْيُ، وَهُوَ أَبْلَغُ. وَالرِّحَالُ جَمْعُ رَحْلٍ وَهُوَ لِلْجَمَالِ كَالسُّرُوجِ لِلْخَيْلِ لَا جَمْعُ رَاحِلَةٍ كَمَا تُوهِمُ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا لِأَنَّ رَاحِلَةَ تُجْمَعُ عَلَى رَوَاحِلَ كَضَارِبَةٍ وَضَوَارِبَ وَفَاطِمَةَ وَفَوَاطِمَ وَمَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي شَدُّ الرِّحَالِ عَلَى الرَّوَاحِلِ إلَّا لِلْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ. فَائِدَةٌ: الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِمِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَبِمِائَتَيْنِ فِي الْأَقْصَى وَبِمِائَةِ أَلْفٍ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ، وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِصَلَاتَيْنِ فِي الْأَقْصَى وَبِأَلْفٍ فِي غَيْرِهَا أَيْ الثَّلَاثَةِ، وَالصَّلَاةُ فِي الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهَا أَيْ الثَّلَاثَةِ ق ل. وَمِثْلُ الصَّلَاةِ الِاعْتِكَافُ، أَيْ فَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُضَاعَفٌ كَالصَّلَاةِ وَمَا عَدَاهُمَا لَا يَتَضَاعَفُ.
وَنَظَّمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ.
مِائَةُ أَلْفِ رَكْعَةٍ بِرَكْعَةٍ ... فِي الْمَسْجِدِ الْمَكِّيِّ قَدْ صَلَّيْتِ
فِي مَسْجِدِ الْهَادِي بِأَلْفٍ أَثْبِتْ ... فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَه
وَهَذَا التَّضْعِيفُ يَرْجِعُ إلَى الثَّوَابِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى بِمَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ وَاحِدَةً لَمْ تَجُزْ عَنْهُمَا كَمَا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْخَصَائِصِ.
قَوْلُهُ: (لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمَا) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» أَيْ وَالْأَقْصَى «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَوْلُهُ " إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " أَيْ وَإِلَّا الْأَقْصَى لِأَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِصَلَاتَيْنِ فَقَطْ، وَالصَّلَاةُ فِي الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ فِي غَيْرِهِ سِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ؛ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِ الْمَدَنِيِّ وَالْأَقْصَى وَمِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِهِ وَمِنْ مِائَتَيْ صَلَاةٍ فِي الْأَقْصَى كَمَا فِي ق ل وَقَرَّرَهُ ح ف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute