للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْحَجِّ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ حَجَّةً أَدَّى فَرْضَهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَانِيَةً دَايَنَ رَبَّهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ» . وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ لِعَارِضٍ كَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ وَالْعُمْرَةِ فَرْضٌ فِي الْأَظْهَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامِّينَ. «وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ «عَنْ جَابِرٍ: سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَا تَجِبُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْ الْهِجْرَةِ. قَوْلُهُ: (لِعَامِنَا) أَيْ هَذَا فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (الْآمِرُ) بِالْمَدِّ وَالرَّفْعِ صِفَةٌ لِحَدِيثٍ.

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ بِكَوْنِ الثَّلَاثَةِ مُتَوَالِيَةً.

قَوْلُهُ: (دَايَنَ رَبَّهُ) أَيْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ دَيْنًا عَلَى رَبِّهِ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ادَّخَرَ ثَوَابًا عِنْدَ رَبِّهِ زَائِدًا عَلَى مَا أَعَدَّ لَهُ فَكَانَ كَالدَّيْنِ.

قَوْلُهُ: «حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ» أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى تَوْبَتِهِ، وَمَعَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ؛ وَلِأَنَّا دُعِينَا إلَيْهِ وَنَحْنُ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ كَالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِأَصْلِ الشَّرْعِ ".

قَوْلُهُ: (وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ) وَأَمَّا عِنْدَ إفْسَادِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَالْوَاجِبُ هُوَ بَدَلُ مَا أَفْسَدَهُ، فَكَأَنَّهُ مَا وَجَبَ إلَّا مَرَّةً. قَوْلُهُ: (وَالْعُمْرَةُ) سُمِّيَتْ عُمْرَةً لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ مَرَّةً م ر. قَوْلُهُ: (فَرْضٌ) أَيْ اسْتِقْلَالًا.

قَوْلُهُ: (فِي الْأَظْهَرِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْحَجِّ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْغُسْلِ. وَرَدَّ بِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ فَلَا يُغْنِي الْحَجُّ عَنْهَا وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا أَغْنَى الْغُسْلُ عَنْ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ لِأَنَّ الْغُسْلَ كَانَ وَاجِبًا لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] إنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ " لِلَّهِ " مَعَ أَنَّ كُلَّ الْأَعْمَالِ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ لِلَّهِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُطْلَبُ فِيهِمَا إخْلَاصُ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، وَمِنْ الرِّيَاءِ فِيهِ ذِكْرُ مَوَاضِعِهِ وَمَا يَقَعُ فِيهِ وَذَلِكَ يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِقَاصِدِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ خَلِيًّا مِنْ التِّجَارَةِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ خَرَجَ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَالْحَجِّ صَحَّ حَجُّهُ لَكِنْ ثَوَابُهُ دُونَ ثَوَابِ الْخَلِيِّ عَنْ التِّجَارَةِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ الْبَاعِثُ الْأُخْرَوِيُّ أُثِيبَ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُثَابُ أَصْلًا. ثُمَّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ فِيهِمَا، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. رَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَحُجُّ أَغْنِيَاؤُهُمْ لِلنُّزْهَةِ وَأَوْسَاطُهُمْ لِلتِّجَارَةِ وَأَغْلَبُهُمْ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَفُقَرَاؤُهُمْ لِلْمَسْأَلَةِ» وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: الْوَفْدُ كَثِيرٌ وَالْحَاجُّ قَلِيلٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ غُفِرَ لِلْحَاجِّ الْمُخْلِصِ، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِلتُّجَّارِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ مِنًى غَفَرَ اللَّهُ لِلْحَمَّالِينَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ غَفَرَ اللَّهُ لِلسُّؤَالِ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى مَالٍ حَلَالٍ لِيُنْفِقَهُ فِي سَفَرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا؛ وَفِي الْخَبَرِ: «مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ إذَا لَبَّى قِيلَ لَهُ لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ وَحَجُّك مَرْدُودٌ عَلَيْك» . وَمَنْ حَجَّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ أَجْزَأَهُ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا بِالْغَصْبِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُجْزِئُهُ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ يُوهِمُ أَنَّ الشُّرُوعَ لَيْسَ وَاجِبًا، وَإِنَّ الْإِتْمَامَ وَاجِبٌ فَقَطْ؛ دُفِعَ هَذَا الْإِيهَامُ بِقَوْلِهِ " أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ " أَيْ حَالَ كَوْنِهِمَا تَامَّيْنِ، فَالْمُرَادُ بِالْإِتْمَامِ ابْتِدَاءُ الْفَرْضِ وَإِكْمَالُهُ. وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: " وَأُقِيمُوا الْحَجَّ " بِالْقَافِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَعْتَمِرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ وَاعْتِمَارُك خَيْرٌ لَك.

قَوْلُهُ: (اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا، وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ شَرْحُ م ر، بَلْ قِيلَ إنَّهُ كَذِبٌ عَنْهُ. وَالْحُفَّاظُ جَمْعُ حَافِظٍ وَهُوَ مَنْ حَفِظَ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>