للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَجِّ) أَيْ وَالْعُمْرَةِ (سَبْعَةٌ) بَلْ ثَمَانِيَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) فَلَا يَجِبَانِ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ فَلَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ مُعْسِرًا اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ أَوْ مُوسِرًا وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ حَجَّ وَاعْتُمِرَ عَنْهُ مَنْ تَرِكَتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ نُسُكِهِ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ.

(وَ) الثَّانِي وَالثَّالِثُ (الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ) فَلَا يَجِبَانِ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ.

(وَ) الرَّابِعُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا يَجِبَانِ عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ، وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهِ إضْرَارٌ لِلسَّيِّدِ.

(وَ) الْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ مُسْتَطِيعٍ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ. وَالِاسْتِطَاعَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَجِّ سَبْعَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ فِي كَلَامِهِ ثَمَانِيَةٌ. وَأَيْضًا جَعَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَمَا بَعْدَهُمَا شُرُوطًا لِلْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهَا شُرُوطٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ عَدَّ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَاحِدًا؛ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ تَجَوَّزَ وَجَعَلَ شَرْطَ الشَّرْطِ شَرْطًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُرُوطَ الْوُجُوبِ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ: الْأَرْبَعَةُ الْأَوَّلُ وَالِاسْتِطَاعَةُ؛ وَقَوْلُ الْمَتْنِ ". وَوُجُوبُ الزَّادِ إلَخْ " فِي الْحَقِيقَةِ شُرُوطٌ لِلشَّرْطِ الْخَامِسِ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَلْ ثَمَانِيَةٌ) وَالثَّامِنُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ) وَكَذَا لَوْ اسْتَطَاعَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ ق ل. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا لَوْ اسْتَطَاعَ فِي الرِّدَّةِ فَإِنَّ النُّسُكَ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ، فَإِذَا مَاتَ مَاتَ عَاصِيًا بِعِصْيَانٍ آخَرَ غَيْرَ عِصْيَانِ الرِّدَّةِ وَلَا يَقْضِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَنْ الْمَيِّتِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ أَهْلًا لِلْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَسْلَمَ مُعْسِرًا) خَرَجَ مَا لَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهَا عَنْهُ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ نَحْوَ الزَّكَاةِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ بَعْدَهُ بِالْأُولَى.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَمْضِي) أَيْ إذَا أَسْلَمَ أَمَّا إذَا بَقِيَ عَلَى رِدَّتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ " فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ " أَيْ لَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ وَلَا إذَا أَسْلَمَ لِبُطْلَانٍ إحْرَامِهِ، وَقَوْلُهُ " فِي فَاسِدِهِ " الثَّوَابُ فِي بَاطِلِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَاطِلِهِ.

قَوْلُهُ: (الْبُلُوغُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَيْ صَبِيٌّ حَجَّ وَبَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى " وَيُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا عَمِلَهُ أَوْ عَمِلَهُ لَهُ وَلِيُّهُ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ إجْمَاعًا؛ بِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَمَجْنُونٌ) أَيْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَبْلَ جُنُونِهِ وَإِنْ جَنَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَمِنْهُ الْمُبْعِضُ وَإِنْ اسْتَطَاعَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ أَوْ كَانَتْ مُهَايَأَةً قِ ل لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنَافِعَهُ) فِيهِ أَنَّ الْمُبَعَّضَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَ الْحَجُّ فِي نَوْبَتِهِ لَا تَكُونُ مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةً لِسَيِّدِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ بِالْقُوَّةِ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَ الْمُهَايَأَةِ لِكَوْنِ عَقْدِهَا جَائِزًا.

قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ) جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الشَّرْطَ الْخَامِسَ لِلْوُجُوبِ وُجُودَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَعًا، وَالشَّارِحُ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ الشَّرْطَ هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ وَأَنَّ وُجُودَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطَانِ لِلِاسْتِطَاعَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِشُرُوطٍ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلَوْ أَبْقَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ جَعَلَ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ تَجَوَّزَ فِي عَدِّ شَرْطِ الشَّرْطِ شَرْطًا لَكَانَ أَوْلَى ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى الشَّارِحِ مُسَامَحَةً مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ ذَكَرَ الِاسْتِطَاعَةَ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ شَرْطَيْنِ لِلِاسْتِطَاعَةِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُمَا شَرْطَيْنِ لِلْوُجُوبِ. وَالثَّالِثُ: قَالَ: وَلَهَا شُرُوطٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا اثْنَيْنِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ جَعَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ شَرْطَيْنِ لِلِاسْتِطَاعَةِ وَجَعَلَ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَإِمْكَانَ الْمَسِيرِ شَرْطَيْنِ لِلْوُجُوبِ كَالْمَتْنِ مَعَ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لِلِاسْتِطَاعَةِ أَيْضًا.

وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ الِاسْتِطَاعَةَ بَلْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ذِكْرِ الزَّادِ وَمَا بَعْدَهُ، فَكَأَنَّ الْمَتْنَ ذَكَرَهَا بِالْقُوَّةِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ عُذْرَهُ مُوَافَقَةُ الْوَاقِعِ مِنْ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لِلِاسْتِطَاعَةِ لَا لِلْوُجُوبِ فَخَالَفَ الْمَتْنَ لِذَلِكَ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ مُرَادَهُ وَلَهَا شُرُوطٌ أَيْ فِي الْوَاقِعِ فَصَحَّ الْجَمْعُ. وَعَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>