بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودِ الرَّاحِلَةِ، فَإِنْ ضَعُفَ عَنْ الْمَشْيِ بِأَنْ عَجَزَ أَوْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَكَالْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ، فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ اُشْتُرِطَ مَحْمَلٌ وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَرْكَبُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ بِعِوَضِ مِثْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْأُنْثَى وَأَحْوَطُ لِلْخُنْثَى، وَاشْتَرَطَ شَرِيكٌ أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْمَحْمَلِ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ رُكُوبِ شِقٍّ لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّسُكُ، وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمَلِ بِتَمَامِهِ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي مِثْلِهِ بِالْمُعَادَلَةِ بِالْأَثْقَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالْمَحْمَلِ وَالشَّرِيكِ فَاضِلِينَ عَنْ دَيْنِهِ حَالًا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا وَعَنْ كُلْفَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَعَنْ مَسْكَنِهِ اللَّائِقِ بِهِ الْمُسْتَغْرِقِ لِحَاجَتِهِ، وَعَنْ عَبْدٍ يَلِيقُ بِهِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ، وَيَلْزَمُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَةَ مَرْحَلَتَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ. وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا لَوْ قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ وَبَعُدَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يُعْتَبَرْ، ز ي. قَوْلُهُ: (يَلْزَمُهُ الْحَجُّ) وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ أَوْ كَانَ امْرَأَةً عَلَى مَا قَالَهُ سم، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا لِأَنَّ شَأْنَهَا الضَّعْفُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ) أَيْ الذَّكَرَ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِمَا وُجُودُ الْمَحْمَلِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. فَهَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الشَّارِحِ خِلَافُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ " فِي حَقِّ الرَّجُلِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الْمَحْمَلِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ إذَا تَضَرَّرَ. وَقَوْلُهُ " وَلِأَنَّهُ إلَخْ " تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمَا الْمَحْمَلُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرَا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ إلَخْ. فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ حِينَئِذٍ ضَعْفٌ، فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) وَهِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ. اهـ. م ر.
أَوْ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً، شَرْحُ حَجّ.
قَوْلُهُ: (مَحْمِلٌ) بِوَزْنِ مَسْجِدٍ أَوْ مِنْبَرٍ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْخَشَبَةُ) أَلْ لِلْجِنْسِ فَتَصْدُقُ بِالْمُتَعَدِّدِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَهُوَ خَشَبٌ أَوْ نَحْوُهُ يُجْعَلُ فِي جَانِبِ الْبَعِيرِ لِلرُّكُوبِ فِيهِ. قَالَ ق ل: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالشُّقْدُفِ.
قَوْلُهُ: (وَاشْتَرَطَ شَرِيكٌ) أَيْ وُجُودَهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّرِيكُ فَاسِقًا وَلَا مَشْهُورًا بِنَحْوِ جُنُونٍ أَوْ خَلَاعَةٍ وَلَا شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ هُنَا أَعْظَمُ لِطُولِ مُصَاحَبَتِهِ. وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَحْوُ بَرَصٍ وَأَنْ يُوَافِقَهُ عَلَى الرُّكُوبِ بَيْنَ الْمَحْمِلَيْنِ إذَا نَزَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ. ز ي.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةً الْمَحْمِلِ) غَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي مِثْلِهِ بِالْمُعَادَلَةِ) فِي شَرْحِ شَيْخِنَا كحج أَنَّهُ إنْ سَهُلَتْ الْمُعَادَلَةُ بِالْأَثْقَالِ مِنْ زَادٍ وَغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَخْشَ مَيْلًا وَرَأَى مِنْ يُمْسِكُهَا لَهُ لَوْ مَالَتْ عِنْدَ نُزُولِهِ لِنَحْوِ قَضَاءِ حَاجَةٍ اكْتَفَى بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ تَعَيَّنَ الشَّرِيكُ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (فَاضِلِينَ) بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَرْبَعَةً، وَلَوْ قَالَ فَاضِلَاتٌ أَوْ فَاضِلَةٌ لَكَانَ صَحِيحًا؛ وَلَعَلَّهُ غَلَبَ الشَّرِيكُ لِكَوْنِهِ مِنْ الْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (عَنْ دَيْنِهِ) سَوَاءٌ كَانَ لِآدَمِيٍّ أَمْ لِلَّهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ. وَقَوْلُهُ " حَالًا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا " أَيْ وَلَوْ أَمْهَلَ بِهِ، وَبِهِ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ إلَى الْحَجِّ فَقَدْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَلَا يَجِدُ مَا يَقْضِي بِهِ، وَقَدْ تَخْتَرِمُهُ الْمَنِيَّةُ فَتَبْقَى ذِمَّتُهُ مَرْهُونَةً. قَالَ شَيْخُنَا ع ش: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ " لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ إلَخْ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ جِهَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءُ مِنْهَا عِنْدَ حُلُولِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ اط ف.
قَوْلُهُ: (مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَفْضُلْ عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ مُضَيَّعًا لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِدُونِ دَفْعِ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَدْ قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُهُ» إلَّا أَنَّ مَا هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْجِهَادِ نَقْلًا عَنْ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لَهُمْ نَفَقَةً يَوْمَ الْخُرُوجِ جَازَ سَفَرُهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَفِي كَلَامِ ز ي أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَا يُكَلَّفُ بِدَفْعِهَا حَالًا لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَوْ فَصْلًا بِفَصْلٍ اهـ. وَعَلَيْهِ فَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بَاطِنًا، وَمَا فِي الْجِهَادِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ ظَاهِرًا ع ش.
قَوْلُهُ: (الْمُسْتَغْرِقُ لِحَاجَتِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَخَرَجَ مَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ فَيُبَاعُ الزَّائِدُ وَيَحُجُّ بِثَمَنِهِ.
قَوْلُهُ: