«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَفَزِعَتْ امْرَأَةٌ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» . وَعَنْ مَجْنُونٍ قِيَاسًا عَلَى الصَّغِيرِ، وَيُشْتَرَطُ لِلْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْإِسْلَامِ التَّمْيِيزُ وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ رَقِيقٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَلِلْمُمَيِّزِ أَنْ يُحْرِمَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ مِنْ أَبٍ ثُمَّ جَدٍّ ثُمَّ وَصِيٍّ ثُمَّ حَاكِمٍ أَوْ قَيِّمِهِ. وَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْإِسْلَامِ التَّمْيِيزُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ فَيُجْزِئُ ذَلِكَ مِنْ فَقِيرٍ لِكَمَالِ حَالِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ الْجُمُعَةَ، لَا مِنْ صَغِيرٍ وَرَقِيقٍ إنْ كَمُلَا بَعْدَهُ لِخَبَرِ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى» فَالْمَرَاتِبُ الْمَذْكُورَةُ لِلصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ أَرْبَعُ: الْوُجُوبُ وَالصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْوُقُوعُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ.
وَأَرْكَانُ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ بَلْ سِتَّةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ) بِهِ (مَعَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ لِخَبَرِ: «إنَّمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَنْهُ، أَوْ أَنَّ الْحَاصِلَ لَهَا أَجْرُ الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةِ وَالتَّرْبِيَةِ لَا الْإِحْرَامِ إذَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ عَنْهُ. اهـ. س ل قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمَأْذُونِهِ) كَأَنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ؛ وَإِذَا ارْتَكَبَ الصَّبِيُّ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَإِذَا فَعَلَ الْوَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ بِهِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ق ل قَوْلُهُ: (عَنْ صَغِيرٍ) أَيْ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ رَقِيقًا مَعَ سَيِّدِهِ ق ل قَوْلُهُ: (بِالرَّوْحَاءِ) اسْمٌ لِوَادٍ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى نَحْوِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْهَا ق ل قَوْلُهُ: (فَفَزِعَتْ) بِفَاءِ مَفْتُوحَةٍ فَزَايٌ مُعْجَمَةٌ مَكْسُورَةٌ فَمُهْمَلَةٌ، أَيْ أَسْرَعَتْ. وَلَعَلَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةً حَتَّى تَكُونَ وَلِيَّ مَالٍ وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيَّ غَيْرِهَا. وَالْوَاقِعُ مِنْهَا مُجَرَّدُ الِاسْتِفْتَاءِ وَيَكُونُ لَهَا الْأَجْرُ عَلَى الِاسْتِفْتَاءِ لَا عَلَى الْإِحْرَامِ قَوْلُهُ: (بِعَضُدِ صَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِيمَنْ يُؤْخَذُ بِعَضُدِهِ اهـ ح ل قَوْلُهُ: (مِنْ مِحَفَّتِهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَهِيَ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَرْضًا كَاَلَّتِي يَضَعُهَا الْمَغَارِبَةُ وَالصَّعَايِدَةُ، وَالْهَوْدَجُ مَا يَضَعُهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَنَحْوُهُ مَا عَلَى الْجَمَلِ الْمُغَطَّى بِهَا قَوْلُهُ: (وَلَك أَجْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ بِإِحْرَامِهَا عَنْهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَأَمَّا ثَوَابُ الْأَعْمَالِ فَهِيَ لَهُ ق ل. وَصِفَةُ إحْرَامِهِ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا فَيَصِيرُ مَنْ أَحْرَمَ عَنْهُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَمُوَاجِهَتُهُ وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَيُصَلِّي عَنْهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَسْعَى بِهِ وَيُحْضِرُهُ الْمَوَاقِفَ، وَلَا يَكْفِي حُضُورُ الْوَلِيِّ بِدُونِهِ. وَيُنَاوِلُهُ الْأَحْجَارَ فَيَرْمِيهَا إنْ قَدَرَ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ مَنْ لَا رَمْيَ عَلَيْهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَصُورَةُ إحْرَامِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ: أَحْرَمْت عَنْ هَذَا أَوْ فُلَانٍ أَوْ جَعَلْته مُحْرِمًا، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا أَوْ أَحْرَمَ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ كَالرَّمْيِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْمِيَ الْوَلِيُّ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ. وَقَوْلُهُ: وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِشَرْطِ طَهَارَتِهِمَا وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ فِي طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَنْهُ تَقَدُّمُ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَيَرْمِي عَنْهُ الْوَلِيُّ بَعْدَ رَمْيِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِفَرَاغِهِ مِنْ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ. وَيُمْتَنَعُ الْإِحْرَامُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَالْمَجْنُونِ قَوْلُهُ: (إنْ كَمُلَا بَعْدَهُ) فَإِنْ كَمُلَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَجْزَأَهُمَا وَأَعَادَ السَّعْيَ، مَنْهَجٌ. وَقَوْلُهُ " وَأَجْزَأَهُمَا إلَخْ " وَلَا بُدَّ فِي الْإِجْزَاءِ مِنْ إعَادَةِ مَا فَعَلَاهُ مِنْ الطَّوَافِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ سم.
قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ الْحَجِّ) التَّغَايُرُ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، أَيْ فَالْحَجُّ مُجْمَلٌ وَالْأَرْكَانُ مُفَصَّلَةٌ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ نَفْسُ الْأَرْكَانِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ. قَالَ الشِّهَابِ الْعَبَّادِيُّ، فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ: هَلْ يَأْتِي فِيمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ الْفُرُوضَ مِنْ السُّنَنِ مَا تَقَرَّرَ فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا لَمْ يَصِحَّ؟ أَوْ يُفَرِّقُ بِأَنَّ النُّسُكَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِهِ النَّفَلَ وَقَعَ عَنْ نُسُكِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ يَتَّجِهُ الْفَرْقُ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ وَاعْتَقَدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا؟ فَلْيُتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الْإِحْرَامُ مَعَ النِّيَّةِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ، أَيْ النِّيَّةُ مَعَ الْإِحْرَامِ، أَيْ النِّيَّةُ الْمُصَاحَبَةُ لِلْإِحْرَامِ أَيْ الدُّخُولُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute