للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» (وَ) الثَّانِي (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . (وَ) الثَّالِثُ (الطَّوَافُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] .

ــ

[حاشية البجيرمي]

النُّسُكِ وَالشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِهِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِتَفْسِيرِهِ. فَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ هُنَا الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْجِمَاعُ وَتُبْطِلُهُ الرِّدَّةُ. وَيُطْلَقُ الْإِحْرَامُ عَلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُعَدُّ رُكْنًا ح ل. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الثَّانِيَ لَكَانَ الْمَعْنَى نِيَّةَ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ مَعَ النِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ الْإِحْرَامُ. وَسُمِّيَ إحْرَامًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ الْحَرَمِ، أَوْ لِأَنَّ بِهِ تَحْرُمُ الْأَنْوَاعُ الْآتِيَةِ ح ل. وَلَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ هَلْ كَانَ نَوَى أَوْ لَا فَالْقِيَاسُ عَدَمُ صِحَّتِهِ كَمَا فِي صَلَاةٍ، وَفَرَّقَ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ يَشُقُّ لَا أَثَرَ لَهُ بَلْ هُوَ وَهْمٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ الْأَقْرَبُ عَدَمُ الْقَضَاءِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّوْمِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي نِيَّةِ الْحَجِّ مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ فَقَالُوا: لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي رَمَضَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ انْعَقَدَ عُمْرَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، قَالُوا: لَوْ نَوَى الْحَجَّ ظَانًّا بَقَاءَ رَمَضَانَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَحْرَمَ فِي شَوَّالٍ اعْتَدَّ بِنِيَّتِهِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَالُوا: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ وَتَرَدَّدَ فِي وَقْتِ إحْرَامِهِ هَلْ هُوَ قَبْلَ شَوَّالٍ أَوْ فِيهِ اعْتَدَّ بِنِيَّتِهِ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ إذَا أَتَى بِأَعْمَالِهِ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) أَيْ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا بِأَرْضِهَا أَوْ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهَا فِي هَوَائِهَا، كَأَنْ وَقَفَ عَلَى غُصْنٍ فِي هَوَائِهَا وَأَصْلُهُ فِي أَرْضِهَا فَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ طَائِرًا فِي هَوَائِهَا، أَوْ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا فِيهِ دُونَ الْغُصْنِ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ عَلَى قِطْعَةٍ نُقِلَتْ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا، ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ وَالشَّارِحُ. وَصَرَّحَ ابْنُ شَرَفٍ بِأَنَّهُ يَكْفِي الْوُقُوفَ عَلَى الْقِطْعَةِ الْمَنْقُولَةِ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا. وَصَرَّحَ الشَّوْبَرِيُّ وسم عَلَى حَجّ بِصِحَّةِ الْوُقُوفِ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ فِيهِ وَأَصْلُهَا خَارِجَةٌ قِيَاسًا عَلَى الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا وَالْغُصْنُ فِي هَوَائِهَا. قَالَ الزِّيَادِيُّ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَإِذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» أَخْرَجَهُ رَزِينٌ. «وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ» . قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ: سُئِلَ وَالِدِي عَنْ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ. الثَّالِثُ: الْعَمَلُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَمْكِنَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ أَفْضَلَ. الرَّابِعُ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ مِنْ حِينِ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ. الْخَامِسُ: مُوَافَقَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ وَقْفَتَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَارُ اللَّهُ لَهُ الْأَفْضَلَ. قَالَ وَالِدِي: أَمَّا مِنْ حَيْثُ إسْقَاطِ الْفَرْضِ فَلَا مَزِيَّةَ لَهَا عَلَى غَيْرِهَا. وَسَأَلَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ فَقَالَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْحَدِيثِ؟ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمِ. فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَهَبُ قَوْمًا اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الْحِكْمَةُ بِوُقُوفِ جَبَلِ عَرَفَاتٍ مَا فِيهِ مِنْ الْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا وَتَذْكِيرًا بِالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً مَكْشُوفِينَ الرُّءُوسِ وَاقِفِينَ عَلَى أَقْدَامِ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ يَضِجُّونَ بِالْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ وَيَدْعُونَ مَوْلَاهُمْ فِي اللَّيْلِ الطَّوِيلِ دُعَاءَ عَبْدٍ ذَلِيلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ تِلْمِيذُ النَّوَوِيِّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ عَرَفَاتُ بِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا كَالْمَيْدَانِ عَلَى فِنَاءِ حَرَمِهِ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: ١٧٢] الْآيَةَ، كَانَ ذَلِكَ بِعَرَفَاتٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنُعْمَانِ، يَعْنِي عَرَفَةَ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَشَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ. فَتَلَا قَوْله تَعَالَى قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: ١٧٢] » أَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>