للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَ) الرَّابِعُ (السَّعْيُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي الْمَسْعَى وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» . وَالْخَامِسُ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِدَمٍ كَالطَّوَافِ. وَالسَّادِسُ تَرْتِيبُ الْمُعَظِّمِ بِأَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَالْوُقُوفَ عَلَى طَوَافِ الرُّكْنِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ. قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَيْ جَبَلَ عَرَفَاتٍ أَوَّلُ وَطَنٍ وَالنَّفْسُ أَبَدًا تُنَازِعُ أَيْ تَمِيلُ إلَى الْوَطَنِ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ كَانَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. أَوَّلَ أَرْكَانِ الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْآتِي مِنْ طَرِيقِ مِصْرَ دُونَ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ مَثَلًا؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا كَانَ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ الْوُقُوفَ اقْتِدَاءً بِأَبِينَا آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ بَعْدَ هُبُوطِهِ مِنْ الْجَنَّةِ عَلَى رَأْسِ جَبَلِ الْيَاقُوتِ إلَى مَكَّةَ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا لَاقَاهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهَا الْبَابُ الْأَوَّلُ لِلْمَلِكِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَيَلِيهِ مُزْدَلِفَةُ وَهِيَ كَالْبَابِ الثَّانِي لِازْدِلَافِهَا وَقُرْبِهَا مِنْ مَكَّةَ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ سُومِحَ الْحَجُّ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا سَامَحَهُمْ الْحَقُّ تَعَالَى بِالدُّخُولِ رَحْمَةً بِالْخَلْقِ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ إلَى رُؤْيَةِ بَيْتِ رَبِّهِمْ الْخَاصِّ، فَكَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ مَنْ هَاجَرَ إلَى دَارِ سَيِّدِهِ فَمَكَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَنْظُرَ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ السَّيِّدُ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ اذْهَبْ إلَى عَرَفَاتٍ الَّتِي مِنْهَا سَعَى آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا وَسِعَهُ إلَّا امْتِثَالُ أَمْرِ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُطْبُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. وَسُمِّيَتْ عَرَفَةُ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهَا حِينَ هَبَطَا مِنْ الْجَنَّةِ وَنَزَلَ بِالْهِنْدِ وَنَزَلَتْ بِجُدَّةِ، وَقِيلَ: إنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا عَرَّفَ إبْرَاهِيمَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَبَلَغَ الشِّعْبَ الْأَوْسَطَ الَّذِي هُوَ مَوْقِفُ الْإِمَامِ قَالَ لَهُ: أَعَرَفَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسُمِّيَتْ عَرَفَاتٌ.

وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَرَفْت الْمَكَانَ، إذَا طَيَّبْته؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: ٦] عَبْدُ الْبَرِّ.

قَوْلُهُ: (الْحَجُّ عَرَفَةَ) جُمْلَةٌ مُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ فَتُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ الْحَجُّ مُنْحَصِرٌ فِي عَرَفَةَ أَيْ فِي الْوُقُوفِ لَا بِتَجَاوُزِهِ إلَى غَيْرِهِ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَنَّهَا مُعْظَمُهُ، وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْهَا كَمَا يَأْتِي لِكَوْنِهِ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهَا دُونَهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (الطَّوَافُ) وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ ثُمَّ الْوُقُوفُ ثُمَّ السَّعْيُ ثُمَّ الْحَلْقُ، أَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ وَسِيلَةٌ لِلْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ رُكْنًا؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي أَنَّ رَبَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَنْزِلُ عَلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ رَحْمَةً مِنْ ذَلِكَ لِلطَّائِفِينَ سِتُّونَ وَلِلْمُصَلِّينَ أَرْبَعُونَ وَلِلنَّاظِرِينَ لِلْبَيْتِ عِشْرُونَ. فَأَجَابَ: الطَّائِفُونَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ ثَلَاثٍ: طَوَافٍ وَصَلَاةٍ وَنَظَرٍ، فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ سِتُّونَ؛ وَالْمُصَلُّونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ أَرْبَعُونَ، وَالنَّاظِرُونَ فَاتَهُمْ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ عِشْرُونَ، اهـ أج قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الدَّلِيلِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِالدَّمِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي دَلِيلِ السَّعْيِ اهـ قَوْلُهُ: (وَالسَّعْيُ) وَلَهُ شُرُوطٌ سَبْعَةٌ: كَوْنُهُ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ أَيْ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ إفَاضَةٍ، وَلَا يَتَأَتَّى بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَقَطْعِ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ، وَكَوْنُهُ سَبْعًا، وَكَوْنُهُ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي؛ وَالتَّرْتِيبُ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا فِي الْأَوْتَارِ وَبِالْمَرْوَةِ فِي الْأَشْفَاعِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَنْكُوسًا وَلَا مُعْتَرَضًا كَالطَّوَافِ وَعَدَمِ الصَّارِفِ عَنْهُ كَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْعَوَامّ مِنْ الْمُسَابِقَةِ. وَقَدْ نَظَّمَهَا م د فَقَالَ:

شُرُوطُ سَعْيٍ سَبْعَةٌ وُقُوعُهُ ... بَعْدَ طَوَافٍ صَحَّ ثُمَّ قَطْعُهُ

مَسَافَةٍ سَبْعًا بِبَطْنِ الْوَادِي ... مَعَ فَقْدِ صَارِفٍ عَنْ الْمُرَادِ

وَلَيْسَ مَنْكُوسًا وَلَا مُعْتَرِضًا ... وَالْبَدْءُ بِالصَّفَا كَمَا قَدْ فُرِضَا

قَوْلُهُ: (اسْعَوْا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَصْلُهُ: اسْعَيُوا قَوْلُهُ: (مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِدَمٍ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيَخْرُجَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>