للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك، وَاذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ أَوْ يَكْرَهُهُ نَدَبَ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى وَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ. وَالْأَفْضَلُ دُخُولُ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالْأَفْضَلُ دُخُولُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءَ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، وَهِيَ الْعُلْيَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًا بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَهِيَ السُّفْلَى وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ وَرَأَى الْكَعْبَةَ أَوْ وَصَلَ مَحَلَّ رُؤْيَتِهَا وَلَمْ يَرَهَا لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ نَدْبًا رَافِعًا يَدَيْهِ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

غَيْرِ إجَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَحْرُمُ أَنْ يُجِيبَ بِهَا كَافِرًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْظِيمِ اهـ خ ض. وَلْيَحْذَرْ الْمُلَبِّي فِي حَالِ تَلْبِيَتِهِ مِنْ أُمُورٍ يَفْعَلُهَا بَعْضُ الْغَافِلِينَ مِنْ الضَّحِكِ وَاللَّعِبِ، وَلِيَكُنْ مُقْبِلًا عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَلْيُشْعِرْ نَفْسَهُ أَنَّهُ يُجِيبُ الْبَارِيَ؛ فَإِنْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْرَضَ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ) مُنَادَى مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمِّهِ الْهَاءَ لِعِلْمِيَّتِهِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ بَدَلُ حَرْفِ النِّدَاءِ أَوْ مُقَدَّرَةٌ عَلَى الْمِيمِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ كَالْإِعْرَابِ مَحَلُّهُ الْآخَرُ؛ رَحْمَانِيٌّ قَوْلُهُ: (إنَّ الْحَمْدَ) يَجُوزُ كَسْرِ هَمْزَةِ " إنَّ " اسْتِئْنَافًا وَفَتْحُهَا تَعْلِيلًا، وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ إيهَامِ التَّعْلِيلِ مِنْ الْفَتْحِ لِاسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى التَّلْبِيَةَ وُجِدَ حَمْدٌ أَمْ لَا، وَلِصَيْرُورَةِ الْكَلَامِ جُمْلَتَيْنِ. قَالَ م ر: وَيُسَنُّ بَعْدَ لَفْظِ الْمُلْكَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِالنَّفْيِ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (وَالنِّعْمَةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْحَمْدِ، وَبِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ خَبَرُهُ " لَك " وَخَبَرُ " إنَّ " مَحْذُوفٌ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ) أَيْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، فَإِنْ كَانَ حَلَالًا لَمْ يَذْكُرْ التَّلْبِيَةَ بَلْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّ الْعَيْشَ إلَخْ، لِمَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ؛ وَمَعْنَاهُ إنَّ الْحَيَاةَ الْهَنِيئَةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ وحج. وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ:

لَا تَرْغَبَنَّ إلَى الثِّيَابِ الْفَاخِرَهْ ... وَاذْكُرْ عِظَامَك حِينَ تُمْسِي نَاخِرَهْ

وَإِذَا رَأَيْت زَخَارِفَ الدُّنْيَا فَقُلْ ... لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَة

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ) كَأَهْلِ الطَّائِفِ وَالْيَمَنِ. وَفِي سِيرَةِ ح ل: وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ» وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ وَهِيَ ثَنِيَّةُ كُدًا بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذِهِ. وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ فِي الْأُولَى وَالْخُرُوجُ مِنْ الثَّانِيَةِ. وَاخْتَصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ وَالسُّفْلَى بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ يَقْصِدُ مَحَلًّا عَالِيَ الْمِقْدَارِ، وَالْخَارِجَ عَكْسُهُ؛ وَقَضِيَّتُهُ التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا) أَيْ تَرَفُّعًا وَعُلُوًّا وَتَعْظِيمًا، أَيْ تَبْجِيلًا وَتَكْرِيمًا، أَيْ تَفْضِيلًا وَمَهَابَةً، أَيْ تَوْقِيرًا وَإِجْلَالًا. وَقَوْلُهُ " وَبِرًّا " الْبِرُّ هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ " فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ " أَيْ سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِك مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ؛ وَيَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهُمُّهَا الْمَغْفِرَةُ وَأَنْ يَدْعُوَ وَاقِفًا. وَالْبَيْتُ كَانَ الدَّاخِلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا يَرَاهُ مِنْ رَأْسِ الرَّدْمِ وَالْآنَ لَا يُرَى إلَّا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَالسُّنَّةُ الْوُقُوفُ فِيهِ لَا فِي رَأْسِ الرَّدْمِ لِذَلِكَ بَلْ لِكَوْنِهِ مَوْقِفَ الْأَخْيَارِ شَرْحُ م ر. وَرَأْسُ الرَّدْمِ هُوَ الْمَشْهُورُ الْآنَ بِالْمُدَّعِي. وَكَأَنَّ حِكْمَةَ تَقْدِيمِ التَّعْظِيمِ عَلَى التَّكْرِيمِ فِي الْبَيْتِ، وَعَكْسُهُ فِي قَاصِدِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ فِي الْبَيْتِ إظْهَارُ عَظَمَتِهِ فِي النُّفُوسِ حَتَّى تَخْضَعَ لِشَرَفِهِ وَتَقُومَ بِحُقُوقِهِ، ثُمَّ كَرَامَتِهِ بِإِكْرَامِ زَائِرِيهِ بِإِعْطَائِهِمْ مَا طَلَبُوهُ. وَإِنْجَازِهِمْ مَا أَمَّلُوهُ، وَفِي زَائِرِهِ وُجُودُ كَرَامَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْبَاغِ رِضَاهُ عَلَيْهِ وَعَفْوِهِ عَمَّا جَنَاهُ وَاقْتَرَفَهُ، ثُمَّ عَظَمَتِهِ بَيْنَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ بِظُهُورِ تَقْوَاهُ وَهِدَايَته؛ وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا خَتْمُ دُعَاءِ الْبَيْتِ بِالْمَهَابَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ تِلْكَ الْعَظَمَةِ إذْ هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ وَدُعَاءُ الزَّائِرِ بِالْبِرِّ النَّاشِئِ عَنْ ذَلِكَ التَّكْرِيمِ إذْ هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ، فَتَأَمَّلْ حَجّ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (تَشْرِيفًا) التَّشْرِيفُ الْعُلُوُّ. وَلَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِهِ عَالِيًا رَفِيعًا أَنْ يُعَظَّمَ وَيُبَجَّلَ قِيلَ " وَتَعْظِيمًا " وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يُعَظَّمَ أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>