لِقِلَّتِهِ كَنُقْطَةِ بَوْلٍ وَخَمْرٍ، وَمَا يَعْلَقُ بِنَحْوِ رِجْلِ ذُبَابٍ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَأَشْبَهَ دَمَ الْبَرَاغِيثِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَقِيَاسُ اسْتِثْنَاءِ دَمِ الْكَلْبِ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مِثْلَهُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْمَشَقَّةِ وَالْفَرْقُ أَوْجَهُ، وَيُعْفَى أَيْضًا عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَاءَ وَعَنْ الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ شَعَرٍ نَجِسٍ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ، وَعَنْ كَثِيرِهِ مِنْ مَرْكُوبٍ، وَعَنْ قَلِيلِ دُخَانٍ نَجِسٍ وَغُبَارِ سِرْجِينٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الرِّيحُ كَالذَّرِّ، وَعَنْ حَيَوَانٍ مُتَنَجِّسِ الْمَنْفَذِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لِلْمَشَقَّةِ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
حَرَّكَتْ ذَيْلَهَا أَوْ صُوفَهَا فَتَنَاثَرَ مِنْهُ نَجَسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ طَرْحُهَا لِلْمَيِّتَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرْحِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ الطَّرْحُ مِنْ خُصُوصِ الْمُكَلَّفِ. وَعِبَارَةُ ش م ر: وَلَوْ رَأَى ذُبَابًا عَلَى دَمٍ ثُمَّ طَارَ وَوَقَعَ عَلَى نَحْوِ ثَوْبٍ اتَّجَهَ الْعَفْوُ جَزْمًا، لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِهِ فِي الدَّمِ الْمُشَاهَدِ فَلَأَنْ نَقُولَ بِهِ فِيمَا لَمْ يُشَاهَدْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ الْمُعْتَدِلُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ شَمْسٍ. أَيْ مَعَ فَرْضِ لَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلَّوْنِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ ق ل. فَلَوْ شَاهَدَهُ قَوِيُّ الْبَصَرِ أَوْ مُعْتَدِلُهُ فِي الشَّمْسِ دُونَ الظِّلِّ فَلَا يَضُرُّ. قَالَ م ر: وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ عَمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ مِنْهُ فِي دُفُعَاتٍ مَا يُحَسُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَضُبِطَ فِي الْمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَيْ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ بِمَا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَ الثَّوْبِ لَمْ يُرَ لِقِلَّتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فِي الْمَاءِ؟ قُلْت: يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا عَفَّ الذُّبَابُ عَلَى نَجِسٍ رَطْبٍ لَمْ يُشَاهَدْ مَا عَلَقَ بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَإِذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَصَوَّرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَرَاهُ قَوِيُّ الْبَصَرِ دُونَ مُعْتَدِلِهِ بَعْدَ فَرْضِهِ مُخَالِفًا لِلَوْنِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْمَائِعِ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا كَالثَّوْبِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى شَرْحِ الْغَايَةِ. قَوْلُهُ: (لِقِلَّتِهِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ بِالْبَصَرِ لَا لِعَدَمِ التَّنْجِيسِ فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِنَحْوِ مُمَاثَلَتِهِ لِلَوْنِ الْمَحَلِّ كَمَا قَالَهُ الرَّشِيدِيُّ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ لِقِلَّتِهِ سَوَاءٌ وَقَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ وَلَوْ قَصْدًا بِدَلِيلِ إطْلَاقِهِ مَعَ التَّفْصِيلِ فِي الْمَيِّتَةِ، وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ وُقُوعُهُ فِي مَحَلٍّ أَوْ مَحَالَّ. نَعَمْ لَوْ كَانَ إذَا جُمِعَ صَارَ كَثِيرًا عُرْفًا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (كَنُقْطَةِ بَوْلٍ) أَوْ نُقَطٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَكِنْ بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ قَدْرًا يَسِيرًا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ الْمُعْتَدِلُ وَصَارَ مُتَنَجِّسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ، لَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَنَجِّسٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ أَيْ عَدَمَ التَّنَجُّسِ بِمَا ذَكَرَهُ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ وَمَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ. اهـ. ح ل.
قَوْلُهُ: (وَمَا يُعَلَّقُ) يَحْتَمِلُ عَطْفَهُ عَلَى نُقْطَةِ بَوْلٍ فَهُوَ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ وَهُوَ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. وَيَحْتَمِلُ عَطْفَهُ عَلَى نَجَسٍ فَيَعُمُّ مَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ وَغَيْرَهُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ رِجْلِ ذُبَابٍ) أَشَارَ بِنَحْوٍ إلَى أَنَّ الذُّبَابَ لَيْسَ قَيْدًا.
قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ أَوْجَهُ) مُعْتَمَدٌ أَيْ فَلَا فَرْقَ هُنَا فِيمَا لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُغَلَّظٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ كَذَلِكَ اج.
قَوْلُهُ: (عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ) أَيْ صَغِيرٍ إذَا سَقَطَ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ فِيهِ لَا عَبَثًا. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ) أَمَّا شَعْرُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَرْكُوبٍ) وَكَذَا الْقَصَّاصُ يُعْفَى لَهُ عَنْ كَثِيرِهِ أَيْضًا وَتُعْتَبَرُ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ، وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ كَقَلِيلٍ مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ قَلِيلِ دُخَانٍ نَجِسٍ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَقَيَّدَهُ م ر بِغَيْرِ الْمُغَلَّظِ وَبِعَدَمِ الرُّطُوبَةِ، وَالْأَوْلَى قِرَاءَتُهُ بِالتَّنْوِينِ لِيَشْمَلَ دُخَانَ الْمُتَنَجِّسِ كَحَطَبٍ تَنَجَّسَ بِبَوْلٍ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ كَمَا قَالَهُ ز ي، لِأَنَّهُ إنْ قُرِئَ بِالْإِضَافَةِ لَا يَشْمَلُهُ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الشِّتَاءِ، وَلَوْ نَشَّفَ شَيْئًا رَطْبًا عَلَى اللَّهَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الدُّخَانِ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَخَرَجَ بِالدُّخَانِ الْهَبَابُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ، وَمَالَ ع ش إلَى طَهَارَةِ اللَّهَبِ الْحَاصِلِ مِنْ الشَّمْعَةِ النَّجِسَةِ وَلَهَبِ الْجَلَّةِ وَالْحَطَبِ الْمُتَنَجِّسِ الْخَالِي عَنْ الدُّخَانِ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ نَجَاسَتَهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَكَتَبَ اج ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الدُّخَانُ بِفِعْلِهِ أَوْ مِنْ دُخَانٍ مُغَلَّظٍ، وَإِطْلَاقُ م ر كَمَا هُنَا يَقْتَضِي الْعَفْوَ مُطْلَقًا، لَكِنْ قَيَّدَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ أَوْ مِنْ دُخَانٍ مُغَلَّظٍ اهـ. أَيْ فَيُعْمَلُ بِمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ يُقَدَّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute