للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَوَاجِبَاتُ الْحَجِّ غَيْرُ الْأَرْكَانِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ بَلْ خَمْسَةُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ، وَغَايَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ إلَّا فِي هَذَا الْبَابِ فَقَطْ، فَالْفَرْضُ مَا لَا تُوجَدُ مَاهِيَّةُ الْحَجِّ إلَّا بِهِ. وَالْوَاجِبُ مَا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُ الْحَجِّ عَلَى فِعْلِهِ: الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَوْ مِنْ آخِرِهِ وَالْأَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ) وَالْمِيقَاتُ فِي اللُّغَةِ الْحَدُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا زَمَنُ الْعِبَادَةِ وَمَكَانُهَا؛ فَالْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ، شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرِ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِحْرَامُ بِهَا لِعَوَارِضَ: مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ نَفْرِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى أُخْرَى، وَأَمَّا الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا نَفْسَ مَكَّةَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهِيَ عَلَى نَحْوِ عَشَرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَالْمُتَوَجِّهُ مِنْ الشَّامِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بَعْدَهُ أَنَّهُ الْعَاشِرُ، وَيَجْرِي عَلَى الْعَاشِرِ جَمِيعُ أَحْكَامِ التَّاسِعِ مِنْ كَوْنِ مَا بَعْدَهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْعِيدِ لِلتَّشْرِيقِ، وَحُرْمَةِ صَوْمِهَا وَجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْعَاشِرِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَوْ وَقَفُوا لَيْلَةَ الْحَادِيَ. عَشَرَ لَا يُجْزِئُ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ ز ي تَبَعًا لِلرَّمْلِيِّ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الْعَاشِرِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَلَطَ إنْ كَانَ فِي الْمَكَانِ وَجَبَ الْقَضَاءُ إنْ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا أَوْ فِي الزَّمَانِ، فَإِنْ وَقَفُوا فِي الْحَادِيَ عَشَرَ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَوْ فِي الْعَاشِرِ وَكَانُوا قَلِيلًا كَذَلِكَ وَإِلَّا أَجْزَأَهُمْ الْوُقُوفُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الثَّامِنِ وَعَلِمُوا الْخَطَأَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ وَتَمَكَّنُوا مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ لَزِمَهُمْ وَإِلَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ،. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَوَاجِبَاتُ الْحَجِّ) وَأَمَّا وَاجِبَاتُ الْعُمْرَةِ فَشَيْئَانِ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَاجْتِنَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ) الْأُولَى أَنَّ بَيْنَهُمَا الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ الْمُطْلَقَ، فَكُلُّ رُكْنٍ وَاجِبٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَاجِبٍ رُكْنًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ لَا يَكُونُ رُكْنًا بِأَنْ يَكُونَ شَرْطًا.

قَوْلُهُ: (فَالْفَرْضُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَالرُّكْنُ لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ.

قَوْلُهُ: (الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ) أَيْ كَوْنُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا فَهُوَ رُكْنٌ. وَأَصْلُهُ مِوْقَاتٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِوُقُوعِهَا إثْرَ كَسْرَةٍ.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَوَّلِهِ) إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَالْإِحْرَامُ مِنْ مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْمَكَانِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّعٍ، وَقَوْلُ ح ل: الْمِيقَاتُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ الزَّمَانُ ثُمَّ أَطْلَقَ عَلَى الْمَكَانِ تَوَسُّعًا بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ اللُّغَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَارَتْ الْمَوَاقِيتُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي كُلٍّ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ.

قَوْلُهُ: (شَوَّالٌ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تَشُولُ أَذْنَابَهَا لِلسِّفَاحِ أَيْ نَطُّ الذُّكُورِ فِيهِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَيُجْمَعُ عَلَى شَوَاوِيلَ وَشَوَّالَاتٍ. وَهُوَ الَّذِي عَقَدَ النَّبِيُّ فِيهِ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَتَزَوَّجَ بِهَا فِيهِ، وَكَانَ يُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ فِيهِ. وَسُمِّيَ الْقَعْدَةُ لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَنْ الْقِتَالِ وَالْحِجَّةِ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ، وَجَمْعُهُمَا ذَوَاتُ الْقَعْدَةِ وَذَوَاتُ الْحِجَّةِ. اهـ. سُيُوطِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَعَشْرَ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) وَهِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] فَغَلَبَ شَهْرَيْنِ عَلَى الْعَشَرَةِ وَسَمَّاهَا كُلَّهَا أَشْهُرًا اهـ.

قَوْلُهُ: (انْعَقَدَ عُمْرَةً) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ بِوَجْهٍ، حَجّ ز ي.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ نَفْرِهِ) فِيهِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فَمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " قَبْلَ نَفْرِهِ " لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَا قَبْلَ النَّفْرِ مَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى.

قَوْلُهُ: (نَفْسُ مَكَّةَ) أَيْ فَيَنْدُبُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَذْهَبَ إلَى بَيْتِهِ إنْ كَانَ فَيُحْرِمُ مِنْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (ذُو الْحُلَيْفَةِ) تَصْغِيرُ الْحَلْفَةِ بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ، وَاحِدَةُ الْحُلَفَاءِ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ، شَرْحُ حَجّ.

قَوْلُهُ: (عَشَرُ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ) أَيْ وَسِتَّةُ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ، أَيْ لِزَعْمِ الْعَامَّةِ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ فِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ق ل.

قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّامِ) أَيْ الَّذِينَ لَا يَمُرُّونَ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وَهُمْ الْآنَ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا؛ وَلِذَا قَالَ ق ل: أَيْ فِيمَا كَانَ وَالْآنَ مِيقَاتُهُمْ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ. وَهِيَ بِالْهَمْزِ وَتَرَكَهُ، سَمَّيْت بِذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَكَنَهَا سَامُ بْنُ نُوحٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>