للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ، وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ وَدَّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَتَى الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَأَعَادَ نَحْوَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ.

(وَسُنَنُ الْحَجِّ) كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا سَبْعٌ، بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِهَا عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا سَتَعْرِفُهُ. الْأَوَّلُ: (الْإِفْرَادُ) فِي عَامٍ وَاحِدٍ (وَهُوَ) (تَقْدِيمُ) أَعْمَالِ (الْحَجِّ عَلَى) أَعْمَالِ (الْعُمْرَةِ) فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يُؤَدَّيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ هَذَا الْإِفْرَادُ وَالثَّانِي التَّمَتُّعُ وَعَكْسُهُ، وَالثَّالِثُ الْقِرَانُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَحُجُّ قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ ثُمَّ يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَجِّ فِيهِمَا، وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ إنْ اعْتَمَرَ عَامَهُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهُ. (وَ) الثَّانِيَةُ (التَّلْبِيَةُ) إلَّا عِنْدَ الرَّمْيِ فَيُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ فِيهِ دُونَهَا وَتَقَدَّمَ صِيغَتُهَا، وَمَنْ لَا يُحْسِنُهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

هُوَ الْقَصْدُ بِهِ كَانَ تَرَكَهُ مَعَ تَحَمُّلِهِ سَبَبًا أَوْ وَسِيلَةً إلَى الْمُقَاطَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ، أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَاتُّجِهَ تَحْرِيمُ تَرْكِ إبْلَاغِ السَّلَامِ. وَأَمَّا إرْسَالُ السَّلَامِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْقَصْدُ مِنْهُ الِامْتِدَادُ مِنْهُ وَعَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَتَرْكُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ لِلْغَيْرِ، فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِهِ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ، فَاتُّجِهَ أَنَّ ذَلِكَ التَّبْلِيغَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ. فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّ تَفْوِيتَ الْفَضَائِلِ عَلَى الْغَيْرِ حَرَامٌ كَإِزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ. قُلْت: هَذَا اشْتِبَاهٌ، إذْ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ عَدَمِ اكْتِسَابِ الْفَضِيلَةِ لِلْغَيْرِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى الْغَيْرِ، فَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ هَذَا التَّفْوِيتُ وَلَمْ يَحْرُمُ تَرْكُ ذَلِكَ الِاكْتِسَابِ، فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (الْإِفْرَادُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِفْرَادِ كُلِّ نُسُكٍ بِإِحْرَامٍ وَعَمِلَ.

قَوْلُهُ: (فِي عَامٍ وَاحِدٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ يَحْصُلُ الْإِفْرَادُ بِوُجُودِ الْعُمْرَةِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ؛ نَعَمْ يُشْتَرَطُ لِأَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي عَامَّةِ كَمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَكْسُهُ) وَسُمِّيَ الْآتِي بِذَلِكَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَلِتَمَتُّعِهِ بِسُقُوطِ الْعَوْدِ لِلْمِيقَاتِ عَنْهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ مَكَّةَ. وَقَوْلُهُ " بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ " أَيْ بِفِعْلِهَا، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي الْإِفْرَادِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يُوجِبُ التَّسْمِيَةَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ) أَمَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ لِاتِّصَالِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَجِّ فِيهِمَا) أَيْ فَيَحْصُلَانِ انْدِرَاجًا لِلْأَصْغَرِ فِي الْأَكْبَرِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» شَرْحُ حَجّ؛ وَعِبَارَةُ ح ل: وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ لَهُمَا مَعًا، وَقِيلَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُنْدَرِجَةٌ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ إنْ اعْتَمَرَ إلَخْ) فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ كَانَ مَكْرُوهًا وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ مَا بَقِيَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّذِي أَوْقَعَ حَجَّهُ فِيهِ. وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَيُسَمَّى إفْرَادًا أَيْضًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ التَّمَتُّعِ يَشْمَلُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أج.

قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُونَا إلَخْ) وَالْمَعْنَى فِيهِ أَيْ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ لَمْ يَسْتَفِيدُوا تَرْكَ مِيقَاتِ عَامٍ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ فَإِنَّهُ اسْتَفَادَ تَرْكُ مِيقَاتِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ صَارَ يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ، وَالْقَارِنُ اسْتَفَادَ تَرْكُ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ الْخُرُوجُ لِأَدْنَى الْحِلِّ. وَعِبَارَةُ سم: كَيْفَ عُدِمَ الرِّيحُ مَعَ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمَاكِنِهِمْ؛ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ اعْتَذَرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا عَامًا لِأَهْلِهِ وَلَمَنْ يَمُرُّ بِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالتَّلْبِيَةُ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ مُسْلِم يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا» أَيْ مِنْ مُنْتَهَى الْأَرْض مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ وَإِلَى مُنْتَهَى الْأَرْضِ مِنْ جَانِبِ الْغَرْبِ، يَعْنِي يُوَافِقُهُ فِي التَّلْبِيَةِ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَفِيهِ تَفْضِيلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>