للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَسَدِ مُلْحَقٌ بِهِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ، وَأَمَّا الظُّفْرُ فَقِيَاسًا عَلَى الشَّعْرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ. وَالشَّعْرُ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثَةِ وَقِيسَ بِهِ الْأَظْفَارُ، وَلَا يُعْتَبَرُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ وَالْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فِي التَّمَتُّعِ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدَّهْنِ وَالْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ لِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِيهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا، وَلَوْ أَزَالَهَا مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي أَنَّهُمَا يَعْقِلَانِ فِعْلَهُمَا فَيُنْسَبَانِ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْجَارِيَ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ، وَلَوْ أُزِيلَ ذَلِكَ بِقَطْعِ جِلْدٍ أَوْ عُضْوٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ، وَيَلْزَمُهُ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ أَوْ بَعْضِ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا مُدُّ طَعَامٍ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ أَوْ الظُّفْرَيْنِ مُدَّانِ، وَلِلْمَعْذُورِ فِي الْحَلْقِ بِإِيذَاءِ قَمْلٍ أَوْ نَحْوِهِ كَوَسَخٍ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: ١٩٦] الْآيَةَ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَذَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَّا لُبْسُ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى) وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ: " رُءُوسَكُمْ " إذْ تَقْدِيرُهُ: شَعْرَهَا، وَهُوَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (جَمِيعُهُ) أَيْ قَصُّ جَمِيعِ الْأَظْفَارِ وَلَا إزَالَةُ جَمِيعِ الشَّعْرِ قَوْلُهُ: (فِي التَّمَتُّعِ) أَيْ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ، وَقَوْلُهُ " فِيهِ " أَيْ التَّمَتُّعِ، وَقَوْلُهُ " وَهُوَ " أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ، وَقَوْلُهُ " مُنْتَفٍ فِيهِمَا " أَيْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَقَوْلُهُ " وَلَوْ أَزَالَهَا " أَيْ الثَّلَاثَ شَعَرَاتٍ قَوْلُهُ: (لَمْ تَلْزَمْهُ) أَيْ الْأَحَدَ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ إحْرَامَهُمْ نَاقِصٌ. لَا يُقَالُ الْإِتْلَافُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ فَيَخْتَصُّ بِالْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ح ل مُلَخَّصًا، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (عَلَى أَنَّ الْجَارِيَ إلَخْ) أَيْ فَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ) وَلَوْ نَتَفَ فِي نَوْمِهِ لِحْيَتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: (تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ) وَشَبَّهُوهُ بِالزَّوْجَةِ تُقْتَلُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَجِبُ مَهْرُهَا عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى لَزِمَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْبِضْعَ فِي تِلْكَ تَلِفَ تَبَعًا، بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ قَوْلُهُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: ١٩٦] مَرَضًا يَحُوجُهُ إلَى الْحَلْقِ {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: ١٩٦] كَجِرَاحَةٍ وَقَمْلٍ {فَفِدْيَةٌ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ إنْ حَلَقَ، بَيْضَاوِيٌّ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سِفْرِ السَّعَادَةِ: أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِلَاجِ الْقَمْلِ بِحَلْقِ الرَّأْسِ لِتَنْفَتِحَ الْمَسَامُّ وَتَتَصَاعَدَ الْأَبْخِرَةُ وَتَضْعُفَ الْمَادَّةُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي يَتَوَلَّدُ الْقَمْلُ مِنْهَا. وَذُكِرَ فِي الْهَدْيِ أَنَّ أُصُولَ الطِّبِّ ثَلَاثَةٌ: الْحِمْيَةُ وَحِفْظُ الصِّحَّةِ وَالِاسْتِفْرَاغُ، فَإِلَى الْأَوَّلِ شُرِعَ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَإِلَى الثَّانِي شُرِعَ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لِئَلَّا يَتَوَالَى مَعَهُ السَّفَرُ وَمَشَقَّةُ الصَّوْمِ، وَإِلَى الثَّالِثِ حَلْقُ رَأْسِ الْمُحْرِمِ إذَا كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ قَمْلٍ. وَعِنْدَ أَئِمَّتِنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يَذْبَحُهُ مُجْزِيًا فِي الْأُضْحِيَّةِ ح ل فِي السِّيرَةِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: حَيْثُ أَطْلَقْنَا فِي الْمَنَاسِكِ الدَّمَ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ أَمْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ أَمْ بِغَيْرِهِمَا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ فِي سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا، فَتُجْزِي الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ دِمَاءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا، كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَتَرْكِ الرَّمْيِ بِهَا وَالتَّطَيُّبِ وَحَلْقِ شَعْرٍ وَقَلْمِ أَظْفَارٍ؛ وَسَيَأْتِي فِي الضَّحَايَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ، فَإِنْ ذَبَحَهَا أَيْ الْبَدَنَةَ عَنْ دَمٍ وَاجِبٍ فَالْوَاجِبُ سُبْعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَأَكْلُ الْبَاقِي إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ فِي سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا، بَلْ يَجِبُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ كَمَا مَرَّ، بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ شَاتِه أَيْ الْمِثْلِيِّ وَإِنْ أَجْزَأَتْ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ رَاعُوا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمُمَاثَلَةَ أَيْ فِي الْجِنْسِ، فَلَا يُشْكِلُ بِإِجْزَاءِ الْكَبِيرِ عَنْ الصَّغِيرِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْبَعِيرُ عَنْ الْبَقَرَةِ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ. وَمِثْلُهُ مَا وَجَبَ فِي الشَّجَرِ، إلَّا أَنَّ الصَّيْدَ يُفَارِقُ الشَّجَرَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْمِثْلُ وَلَا يُجْزِي فِيهِ غَيْرُهُ وَلَوْ أَعْلَى، بِخِلَافِ مَا وَجَبَ فِي الشَّجَرِ فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَ عَنْهُ مَا فَوْقَهُ أَجْزَأَ عَنَانِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>