الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَصِحُّ بَيْعُ كُلِّ) شَيْءٍ (طَاهِرٍ) عَيْنًا أَوْ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَجِسِ الْعَيْنِ، وَكَذَا الدُّهْنُ كَالزَّيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ: إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ» أَمَّا مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَالْآجُرِّ الْمَعْجُونِ بِمَائِعٍ نَجِسٍ كَبَوْلٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ. وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: طَاهِرٍ فِي كَلَامِهِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (مُنْتَفَعٍ بِهِ) شَرْعًا وَلَوْ فِي الْمَآلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ. وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي كَلَامِهِ.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (مَمْلُوكٍ) أَيْ أَنْ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَمْثِلَةِ الشَّارِحِ الْآتِيَةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ مِمَّا يَشْمَلُ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ لِأَنَّهُ مِنْ زِيَادَةِ الشَّارِحِ عَلَى الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (خَمْسَةٌ) وَيَزِيدُ الرِّبَوِيُّ بِمَا يَأْتِي فِيهِ ع ش م ر.
قَوْلُهُ: (كُلِّ طَاهِرٍ) وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ فِي مُشْتَبَهَيْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَتِهِ ش م ر. فَلَوْ اشْتَرَى مُجْتَهَدًا فِيهِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ الْأَوَّلِ سم، وَمِثْلُهُ مَائِعٌ إذَا وَقَعَ فِيهِ مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، وَيَنْبَغِي ثُبُوتُ الْخِيَارِ عِنْدَ الْجَهْلِ اهـ ز ي. قَوْلُهُ: (أَوْ يَطْهُرُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ " عَيْنًا " لِأَنَّ مَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ عَيْنُهُ طَاهِرَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُتَنَجِّسِ) أَيْ بَيْعُهُ اسْتِقْلَالًا لَا تَبَعًا لِمَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَبَيْعُ أَرْضٍ بُنِيَتْ بِلَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ عُجِنَ بِنَجِسٍ صَحِيحٌ ح ل. وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفُ هَذَا فَإِنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا الدُّهْنُ) فَصَلَهُ بِكَذَا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ عِنْدَنَا.
قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) وَمُقَابِلُهُ قَوْلٌ صَحِيحٌ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ الْمَاءُ عَلَيْهِ وَيُدَارُ بِآلَةٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ الْمَاءَ وَصَلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، ثُمَّ تَصْبِرُ حَتَّى يَطْفُوَ الدُّهْنُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَتَثْقُبَ أَسْفَلَ الْإِنَاءِ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَاءُ وَيَبْقَى الدُّهْنُ.
قَوْلُهُ: «فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا» زَادَ بَعْدَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَكُلُوهُ، أَيْ الْبَاقِي.
قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ) أَيْ بِالْغَسْلِ؛ خَرَجَ مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَجِلْدٍ قَبْلَ دَبْغِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَإِمْكَانُ طُهْرِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُتَغَيِّرِ بِالْمُكَاثَرَةِ وَإِمْكَانِ طُهْرِ الْخَمْرِ بِالتَّخَلُّلِ فَالْغَسْلُ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْآجُرِّ) أَيْ الطُّوبِ الْمُحْرَقِ، أَيْ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ لِأَنَّ الْآجُرَّ إذَا نُقِعَ فِي الْمَاءِ يَطْهُرُ لِتَشَرُّبِهِ الْمَاءَ فَيَصِلُ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِهِ وَظَاهِرُهُ.
قَوْلُهُ: (بِمَائِعٍ نَجِسٍ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الْمَعْجُونَ بِجَامِدٍ نَجِسٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ إذَا هُوَ فِي مَعْنَى نَجِسِ الْعَيْنِ، إلَّا دَارًا بُنِيَتْ بِهِ وَأَرْضًا سُمِّدَتْ بِهِ وَقِنًّا عَلَيْهِ وَشْمٌ وَإِنْ وَجَبَتْ إزَالَتُهُ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِوُقُوعِ النَّجِسِ تَابِعًا، ش م ر. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّجَاسَةَ إنْ كَانَتْ مُسْتَهْلِكَةً بِأَنْ أَمْكَنَ طُهْرُهُ كَالْآجُرِّ الْمَذْكُورِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَهْلَكَةٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ طُهْرُهُ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ كَاللَّبَنِ الْمَعْجُونِ بِالنَّجِسِ مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُبْزَ الْمَخْبُوزَ بِالنَّجَاسَةِ إذَا كَثُرَ الدُّخَانُ وَتَخَلَّلَ بِأَجْزَائِهِ كَذَلِكَ، أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. م د. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ.
قَوْلُهُ: (مُنْتَفَعٍ بِهِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْآخِرَةِ كَالْعَبْدِ الزَّمِنِ لِلْعِتْقِ، بِخِلَافِ الْحِمَارِ الزَّمِنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي الْمَآلِ) أَيْ فِيمَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّفْعُ حَالًا، فَلَا يَرِدُ عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِ دَارٍ دُونَ مَمَرِّهَا إذَا كَانَ يُمْكِنُ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ لَهَا؛ شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ) أَيْ إنْ مَاتَتْ أُمُّهُ أَوْ اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ. وَالضَّابِطُ أَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُ مُحَرَّمٍ ش م ر.
قَوْلُهُ: (مَمْلُوكٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِعَيْنِهِ كَالْوَكِيلِ وَالْوَلِيِّ. قَوْله: (أَنْ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ إلَخْ) إنَّمَا فُسِّرَ بِذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ قَاصِرٌ عَلَى الْمِلْكِ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْوِلَايَةِ بِمِلْكٍ أَوْ وَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ مَثَلًا، أَوْ أُذِنَ مِنْ الشَّارِعِ كَالْمُلْتَقِطِ فِيمَا يُخَافُ فَسَادُهُ فَلَهُ بَيْعُهُ، وَالظَّافِرُ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ بَيْعُهُ بِجِنْسِ حَقِّهِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ. وَقَوْلُهُ " لِلْعَاقِدِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ " أَيْ وَلَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَإِنْ ظَنَّ الْعَاقِدُ خِلَافَهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ " وَيَصِحُّ بَيْعُ مَالِ غَيْرِهِ " لَكِنَّ إقْدَامَهُ