وَعَدَمُ إكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ مُكْرَهٍ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِعَدَمِ رِضَاهُ، وَيَصِحُّ بِحَقٍّ كَأَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بَيْعُ مَالِهِ لَهُ وَفَاءَ دَيْنٍ فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِإِكْرَاهِهِ عَلَيْهِ صَحَّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِذْنِ. وَإِسْلَامُ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ وَلَوْ بِوَكَالَةِ مُصْحَفٍ أَوْ نَحْوِهِ كَكُتُبِ حَدِيثٍ أَوْ كُتُبِ عِلْمٍ فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ أَوْ مُسْلِمٍ أَوْ مُرْتَدٍّ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِمَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ لِلْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْإِهَانَةِ وَلِلْمُسْلِمِ مِنْ الْإِذْلَالِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١]
ــ
[حاشية البجيرمي]
إذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَهُ. قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ إكْرَاهٍ) أَيْ إنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاخْتِيَارِ، فَإِنْ وُجِدَتْ صَحَّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ ز ي. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ: وَعَدَمُ إكْرَاهٍ إلَخْ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: الِاخْتِيَارُ وَالْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ مِنْهُ الْعَقْدِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ مُكْرَهٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَ الْبَيْعِ، وَإِلَّا صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ طَلَاقٍ فَقَصَدَ إيقَاعَهُ صَحَّ الْقَصْدُ، سم. فَالصَّرِيحُ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ كِنَايَةٌ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (فِي مَالِهِ) مِثْلُهُ وَكِيلٌ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ، شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ (فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْمُتَغَلِّبُ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ، وَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُتَغَلِّبِ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِنَفْسِهِ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنْ لَمْ تَبِعْنِي شَيْئًا مِنْ بَهَائِمِك وَإِلَّا قَتَلْتُك، فَبَاعَهُ شَيْئًا مِنْهَا صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، كَذَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا ز ي. أَيْضًا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُصَادَرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ مِنْ أُلْجِئَ إلَى دَفْعِ دَرَاهِمَ فَبَاعَ بَعْضَ مَالِهِ وَدَفَعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ، وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِيلَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الْفَلَاحُ بَعْضَ دَوَابِّهِ مَثَلًا بِثَمَنٍ يَسِيرٍ خَوْفًا مِنْ الْمُلْتَزِمِ. وَيَكُونُ الشَّرْطُ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا، لَكِنْ لَمَّا يَخْرُجُ الْمُلْتَزِمُ آخُذُهُ مِنْك. فَإِنَّ هَذَا صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَلَا. وَيَصِحُّ عَقْدُ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ الَّذِي هُوَ خِطَابُ الْوَضْعِ، شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَإِسْلَامُ مَنْ يَشْتَرِي إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْمُصْحَفِ مَا فِيهِ قُرْآنٌ وَإِنْ قَلَّ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ التَّمِيمَةَ؛ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ جِلْدُهُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ، فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِلْكَافِرِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ سم. نَعَمْ يُتَسَامَحُ بِتَمْلِيكِ الْكَافِرِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الَّتِي عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَيُلْحَقُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ شِرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدُّورَ وَقَدْ كُتِبَ فِي سَقْفِهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ مُغْتَفَرًا لِلْمُسَامَحَةِ بِهِ غَالِبًا إذْ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقُرْآنِيَّةُ كَمَا وَسَمَّوْا نَعَمْ الْجِزْيَةُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهَا قَدْ تَتَمَرَّغُ فِي النَّجَاسَةِ. وَمِثْلُ الْقُرْآنِ الْحَدِيثُ وَلَوْ ضَعِيفًا فِيمَا يَظْهَرُ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ آثَارِ السَّلَفِ. بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَتْ عَنْ الْآثَارِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالشَّرْعِ كَكُتُبِ نَحْوِ فِقْهٍ خَلَا عَنْ اسْمِ اللَّهِ. وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْمُصْحَفِ لِتَجْلِيدِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ، بِخِلَافِ تَمْكِينِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِمَا فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِهَانَةِ شَرْحِ م ر وع ش.
قَوْلُهُ (آثَارَ السَّلَفِ) أَيْ حِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ كَطَبَقَاتِ الشَّعْرَانِيِّ، أَمَّا الْخَالِيَةُ كَكُتُبِ نَحْوٍ وَلُغَةٍ فَيَصِحُّ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالشَّرْعِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ؛ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (أَوْ مُسْلِمٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " مُصْحَفٍ ". قَوْلُهُ: (أَوْ مُرْتَدٍّ) خَرَجَ بِهِ الْمُتَنَقِّلُ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ لِلْكَافِرِ.
قَوْلُهُ: (لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ مَنْ أُقِرَّ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ شُهِدَ بِهَا ز ي. وَقَوْلُهُ. " لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ " رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ.
قَوْلُهُ: (لِمَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُ لِمَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِهَانَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا اسْتَفْتَاهُ ذِمِّيٌّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ لَفْظَ الْجَلَالَةِ، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا الْخَطَأُ فِيهِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِذْلَالِ) عَبَّرَ بِالْإِذْلَالِ فِي جَانِبِ الْمُسْلِمِ وَالْإِهَانَةِ فِي الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِيقَةِ الْإِذْلَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُذِلِّ شُعُورٌ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ فِي الْجُمْلَةِ ع ش؛ وَلِأَنَّهُ يُقَالُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمُصْحَفِ فِي يَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute