للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ» وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ. وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْفَصْلِ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي (الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ (وَ) فِي (الْمَطْعُومَاتِ) لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ مَا قُصِدَ لِلطَّعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا، كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُضَافٍ، التَّقْدِيرُ: آكِلُ مُتَعَلِّقِ الرِّبَا وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ. وَاللَّعْنُ لُغَةً هُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ. وَاعْلَمْ أَنَّ لَعْنَ الْمُسْلِمِ الْمُعَيَّنِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا لَعْنُ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ وَالْمَعْرُوفِينَ كَقَوْلِك: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ، لَعَنْ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ، وَأَمَّا لَعْنُ الْإِنْسَانِ بِعَيْنِهِ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي كَيَهُودِيٍّ أَوْ آكِلِ الرِّبَا فَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، أَشَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى تَحْرِيمِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ. وَأَمَّا لَعْنُ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادِ فَكُلُّهُ مَذْمُومٌ؛ عَلْقَمِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَشَاهِدَهُ) الَّذِي فِي مُسْلِمٍ: " وَشَاهِدَيْهِ " بِالتَّثْنِيَةِ، وَالْأَوَّلُ يَشْمَلُ الْحَاضِرَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ) أَيْ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ثُمَّ الْقَتْلُ ثُمَّ الزِّنَا ثُمَّ السَّرِقَةُ ثُمَّ شُرْبُ الْخَمْرِ ثُمَّ الرِّبَا وَالْغَصْبُ؛ مَدَابِغِيٌّ. وَكَوْنُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ فِي بَعْضِ أَقْسَامِهِ وَهُوَ رِبَا الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا الرِّبَا مِنْ أَجْلِ التَّأْخِيرِ أَوْ الْأَجْلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ مِنْ قَبِيلِ الصَّغَائِرِ كَمَا قَالَهُ ع ش، وَهُوَ أَيْ رِبَا الزِّيَادَةِ يَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَإِيذَاءِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ أَمْوَاتًا، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ بِالْمُحَارَبَةِ إلَّا فِيهِمَا، قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ) وَقَالَ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنَتْهُ بِالْحَرْبِ» . وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمُنَاوِيُّ أَنَّ أَكْلَ الرِّبَا وَالْإِيمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ الشَّخْصِ، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٧٨] وَحُرْمَتُهُ تَعَبُّدِيَّةٌ، وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيقِ الْأَثْمَانِ وَنَحْوُهُ حُكْمٌ لَا عِلَلٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِمْ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ إلَخْ وَهَذَا قِيَاسٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ الْأُمُورَ التَّعَبُّدِيَّةَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى أَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ حُكْمٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ فَلَا يُنَافِي الْقِيَاسَ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ كَمَا قِيلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، عَنَانِيٌّ.

وَقَوْلُهُ " حُكْمٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ " أَيْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِيسُوا عَلَى جِنْسِ النَّقْدِ وَالْمَطْعُومِ جِنْسًا ثَالِثًا، وَقَاسُوا عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا يُقْتَاتُ، وَهَكَذَا. وَلَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] . أَيْ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، بَرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ " حُكْمٌ " هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحِكْمَةِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا، فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّ فِيهِ نَظَرًا ظَاهِرًا. اهـ. سم وع ش عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

قَوْلُهُ: (مَا قُصِدَ لِلطَّعْمِ) أَيْ قَصَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ أَيْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْقَصْدَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا لِبَعْضِ أَصْفِيَائِهِ كَآدَمَ بِأَنَّ هَذَا لِلْآدَمِيِّينَ وَهَذَا لِلْبَهَائِمِ؛ قَالَ الرَّشِيدِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ قَصَدَ لِلْآدَمِيِّينَ مَثَلًا أَنْ يَكُونَ الْآدَمِيُّ يَقْصِدُهُ لِلتَّنَاوُلِ مِنْهُ، وَهَذَا غَيْرُ التَّنَاوُلِ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا فَمَا مَعْنَى كَوْنِ الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ مَقْصُودًا لِلْآدَمِيِّ؟ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ قَصْدًا لِلْآدَمِيِّ مَثَلًا أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ الْحِكْمَةِ الْأَزَلِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ هَذَا إلَّا لِطُعْمِ الْآدَمِيِّ.

قَوْلُهُ: (اقْتِيَاتًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَوْ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ، أَيْ قَصْدَ تَقَوُّتِهِ؛ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَفَكُّهًا) أَيْ تَلَذُّذًا، وَمُرَادُهُ بِهِ مَا يَشْمَلُ التَّأَدُّمَ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي م ر.

قَوْلُهُ: (كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: كَمَا تُؤْخَذُ الثَّلَاثَةُ. وَالْكَافُ بِمَعْنَى لَامِ التَّعْلِيلِ، " وَمَا " مَصْدَرِيَّةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لِأَخْذِ الثَّلَاثَةِ، أَيْ أَخْذِ بَعْضِ أَفْرَادِهَا بِالنَّصِّ وَالْبَعْضِ الْآخَرِ بِالْقِيَاسِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>