إذَا رَاجَتْ فَإِنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَلَا أَثَرَ لِقِيمَةِ الصَّنْعَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ ذَهَبًا مَصُوغًا قِيمَتُهُ أَضْعَافُ الدَّنَانِيرِ اُعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا نَظَرَ إلَى الْقِيمَةِ. وَالْحِيلَةُ فِي تَمْلِيكِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَبَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرْضٍ، وَيَشْتَرِي مِنْهُ بِهَا أَوْ بِهِ الذَّهَبَ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يَتَخَايَرَا.
(وَلَا) يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ (بَيْعُ مَا ابْتَاعَهُ) وَلَا الْإِشْرَاكُ فِيهِ وَلَا التَّوْلِيَةُ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مَنْقُولًا أَمْ عَقَارًا أَذِنَ الْبَائِعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا لِخَبَرِ: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَبَيْعُهُ لِلْبَائِعِ كَغَيْرِهِ. فَلَا يَصِحُّ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَلِضَعْفِ الْمِلْكِ. وَالْإِجَارَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ وَالصَّدَاقُ وَالْهِبَةُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُنْتَفِيَةٌ إلَخْ " مُضِرٌّ أَوْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (بِجَوْهَرِيَّةِ الْأَثْمَانِ) أَيْ أَعْلَاهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْحِيلَةُ فِي تَمْلِيكِ الرِّبَوِيِّ) وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا، خِلَافًا لِمَنْ حَصَرَ الْكَرَاهَةَ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ أج. وَمُحَرَّمَةٌ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، شَيْخُنَا. وَقَالَ: " فِي تَمْلِيكِ " وَلَمْ يَقُلْ: فِي بَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ. وَلَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الْحِيلَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ الْبُيُوعِ الْجَائِزَةِ. فَتَأَمَّلْ اهـ ق ل. وَمِنْ الْحِيَلِ أَنْ يُقْرِضَ كُلٌّ صَاحِبَهُ مَا مَعَهُ ثُمَّ يَتَوَاهَبَا أَوْ يَهَبَ الْفَاضِلُ مَالِكَهُ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ لِصَاحِبِهِ. وَقَوْلُهُ " يَشْتَرِي مِنْهُ " أَيْ مِنْ صَاحِبِهِ. وَقَوْلُهُ " بِهَا " أَيْ بِالدَّرَاهِمِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ بِهِ " أَيْ بِالْعَرْضِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّقَابُضِ) أَيْ إنْ كَانَ مَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ ثَانِيًا هُوَ مَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ ثَانِيًا بِجَعْلِهِ ثَمَنًا إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ، أَمَّا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ ثَانِيًا بِغَيْرِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ فَإِنْ بَاعَ أَوَّلًا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ الْمَذْكُورُ إنْ كَانَ عَرْضًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي أَخَذَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَخَايَرَا) أَيْ بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي إجَازَةٌ لِلْأَوَّلِ ق ل، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ قَاطِعًا لِخِيَارِ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّانِي بِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَوَّلِ قَطَعَ خِيَارَ نَفْسِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مَعَ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ.
قَوْلُهُ (وَلَا بَيْعَ مَا ابْتَاعَهُ) أَيْ اشْتَرَاهُ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى مَبِيعٍ، وَسَوَاءٌ الْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ أَوْ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: " وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلِمِ فِيهِ إلَخْ " وَمَفْهُومُ مَا الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَبِيعِ وَهُوَ الثَّمَنُ سَيَأْتِي التَّفْصِيلُ فِيهِ بِقَوْلِ الشَّارِحِ " وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إلَخْ " وَبِقَوْلِهِ " وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ إلَخْ ". وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " مَا ابْتَاعَهُ " زَوَائِدُهُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا لِعَدَمِ ضَمَانِهَا، وَيَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ وح ل وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَكَذَا بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَكَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ دَخِيلَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بَيَانُ مَسَائِلِ الرِّبَا وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْهَا.
قَوْلُهُ (وَلَا الْإِشْرَاكُ فِيهِ وَلَا التَّوْلِيَةُ) عَطْفُهُمَا عَلَى الْبَيْعِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ لِأَنَّهُمَا بَيْعٌ بِلَفْظِ خَاصٍّ، وَالْإِشْرَاكُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْرَكْتُك فِيهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَالتَّوْلِيَةُ بَيْعُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً لِآخَرَ وَلَّيْتُك الْمَبِيعَ بِمَا اشْتَرَيْت أَوْ بِجَمِيعِ مَا قَامَ عَلَيَّ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَمْ لَا) رَاجِعٌ لَهُمَا.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ) هُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ بَلَغَهُ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، فَيُحْتَجُّ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا أَحْسِبُ) أَيْ لَا أَعْتَقِدُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ إلَّا مِثْلَهُ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنْ يُقَالَ: مَالُ الشَّخْصِ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِعَقْدٍ كَالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ تَحْتَ يَدِ الزَّوْجِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِغَيْرِ عَقْدٍ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَامِ وَالْمُعَارِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَإِمَّا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ وَلَا عَمَلٌ جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ تَحْتَ يَدِ الشَّرِيكِ أَوْ الْوَكِيلِ أَوْ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ وَالرَّهْنِ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ عَمَلٌ كَالْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ خَيَّاطٍ أَوْ قَصَّارٍ أَوْ صَبَّاغٍ أَوْ طَحَّانٍ فَإِنْ فَرَغَ وَدَفَعَ لَهُ الْأُجْرَةَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، مَيْدَانِيٌّ؛ فَلَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ الْأُجْرَةَ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " وَكَذَا بَعْدَهُ إلَخْ " أَيْ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِسَبَبِ الصَّبْغِ وَإِلَّا صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ زِيَادِيٌّ.