للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: فكيف يجوز أن يقال إياك والأسد فيأتي بالواو التي معناها الجمع بين الشيئين، وأنت إنما أمرته أن يباعد نفسه ولم تامره أن يباعد الأسد، فالجواب عنه أنه إذا باعد نفسه من الأسد كان بمنزلة تبعيده الأسد، وقد جوز إلغاء الواو عند تكرير لفظة إياك كما استغنى عن إظهار الفعل مع تكرير الاسم في مثل قولن: الطريق الطريق وأشباهه، وعليه قول الشاعر:

(فإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالب)

فإن قلت: إياك أن تقرب الأسد فالأجود أن تلحق به الواو لأن أن مع الفعل بمنزلة المصدر فأشبهه قولك إياك ومقاربة الأسد، ويجوز إلغاء الواو فيه، على أنه

ــ

أن ما منعه المصنف أجازه (الخليل) وغيره من أئمة العربية على تقدير عامل آخر، أو فعل يتعدى لمفعولين، وإنما يمتنع على تقدير عامل واحد لئلا يحذف الجار أو العاطف، ولا يمتنع مطلقاً، وإن أوهمه كلام "ابن الحاجب" وغيره، وهذا تحقيق المقام بما يميط عنه لثام الشبه والأوهام، ومن الناس من قال: الكلام هنا على ما ذكره المصنف من وجوده:

الأول: أنا لا نسلم امتناع إياك الأسد، وإن سلم امتناعه على تقدير ناصب لكلا الجزئين فقد قال "ابن مالك": يقال إياك الأسد على تقدير أحذرك الأسد قائلاً بأنه مما وجب حذف فعله، وامتناع الشيء على تقدير لا ينافي صحته على تقدير آخر.

الثاني: أن دعواه حذف الواو في البيت غير متعينة لأن فيه احتمالين آخرين أحدهما ما نقله "الحديثي" عن "سيبويه" من أن إياك إياك مشتغل بالتحذير، وقد تم بفعله الواجب تقديره، ثم شرع في كلام آخر غير متعلق به فقال المراء أي احذر المراء، وهو مما جاز حذف عامله لأنه محذر منه مفرد، وثانيهما أن يكون المراء بدلاً كما فعل

<<  <   >  >>