وللعلماء الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء، ولهذا كان أئمة أهل القرن الذي ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون ذلك في الكتب ويقرءونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم.
وأما الذي ذكره القاضي عياض، ومن نقل كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة، وجرت له قصة مشهورة، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذّة الخارجة عن المصحف.
ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها، أو لم تثبت عنده، كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره، ولم يتصل به بعض هذه القراءات، فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه، فإن القراءة كما قال زيد بن ثابت سنة، يأخذها الآخر عن الأول، كما أن ما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من أنواع الاستفتاحات في الصلاة، ومن أنواع صفة الأذان والإقامة، وصفة صلاة الخوف وغير ذلك، كله حسن يشرع العمل به لمن علمه، وأما من علم نوعا ولم يعلم بغيره، فليس له أن يعدل عمّا علمه إلى ما لم يعلم، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك، ولا أن يخالفه.
ثم بسط القول في ذلك، ثم قال: فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف، وكذلك ليست هذه القراءات السبع هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها باتفاق العلماء المعتبرين، بل القراءات الثابتة عن الأئمة القرّاء كالأعمش ويعقوب وخلف وأبي جعفر وشيبة ونحوهم، هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة عند من يثبت ذلك عنده. وهذا أيضا مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقرّاء وغيرهم، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمام الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتابعون لهم بإحسان، والأمة بعدهم، هل هو بما فيه من قراءة السبعة، وتمام العشرة، وغير ذلك، هل هو حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها؟ أو هو مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين. والأول قول أئمة السلف والعلماء والثاني قول طوائف من أهل الكلام والقرّاء وغيرهم ...