للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يكون بالنبع الغزير المتدفق في الأرض المستوية، ينبثق فيشق دروبا لنفسه في كل مكان قبل أن يأخذ مجراه.

وهذا الاستطراد كان مدعاة للإطالة، وقد رافقه بعض الغموض في العبارة أحيانا وعلى الأخص في الجزء الأول من الكتاب الذي استغرق فيه سورة فاتحة الكتاب وثلاثين آية من سورة البقرة فقط، ولعلّ ذلك دعا تلميذه ابن جنّي لأن يقول عنه: «وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة في قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله حتى منع كثيرا ممّن يدّعي العربية فضلا على القراء منه وأجفاهم عنه» «١».

ولا تدل هذه العبارة على طعن ابن جني في ما صنع أستاذه كما فهمها بعض الباحثين المحدثين، وإنما تعني أن من لم يكن من أهل العربية متمرسا بها يصعب أن يفهم كتابه، وهذا حق، فقد أثنى القدماء من مؤرخين ونحويين ولغويين وقرّاء ومفسرين على الحجة وأعجبوا به، وراحوا يتدارسونه ويختصرونه، وينقلون منه في مؤلفاتهم، وأخصّ بالذكر عبد القادر البغدادي فقد نقل عنه في الخزانة في سبعة مواضع، وفي شرح أبيات المغني الذي امتنّ الله علينا بتحقيقه ونشره في ثمانية وعشرين موضعا. وممّن نقل عنه وأثنى عليه الطبرسي المفسّر قال في مجمع البيان (٣/ ٢٥٦) بعد أن نقل كلاما حسنا للفارسي في توجيه إعراب الآية الكريمة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

شَهادَةُ بَيْنِكُمْ ...

من سورة المائدة/ ١٠٦: هذا كله مأخوذ من كلام أبي علي الفارسي، وناهيك به فارسا في هذا الميدان نقابا، يخبر عن مكنون هذا العلم بواضح البيان. وكذلك الزركشي نقل عنه في كثير من أبحاث كتابه البرهان.

وأيضا فإن قيام الأستاذ العارف والثقة الضابط مؤلّف التذكرة في القراءات الثمان طاهر بن غلبون شيخ الداني نفسه بنسخ الحجة، وإلقاء نظرة متأملة في نص السماع المثبت في آخر أجزاء نسخته والذي أثبتناه عند وصفنا للمخطوطات، كل ذلك يدلنا على مدى اهتمام العلماء بالكتاب والحرص على سماعه وقراءته.

ومن أقوال العلماء التي تحمل الثناء عليه هذه الأمثلة:


(١) المحتسب ١/ ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>