ذلك لما شاهدوه من إمهال الله إياهم، وإملائه لهم، فإن قلت: كيف يجوز أن يحمل الضمير في ظنّوا على أنه للمرسل إليهم الرسل، والذي تقدم ذكرهم الرسل دون المرسل إليهم؟
قيل: إن ذلك لا يمتنع، لأن ذكر الرسل، يدلّ على المرسل إليهم لمقارنة أحد الاسمين للآخر، ولما في لفظ الرسل من الدلالة على المرسل إليهم، وقد قال الشاعر «١»:
أمنك البرق أرقبه فهاجا ... فبتّ إخاله دهما خلاجا
أي بتّ أخال الرعد صوت دهم، فأضمر الرعد ولم يجر له ذكر لدلالة البرق عليه لمقارنة لفظ كلّ واحد منهما الآخر، وفي التنزيل: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ ٨١] واستغني عن ذكر البرد، لدلالة الحرّ عليه، وإن شئت قلت: إنّ ذكرهم قد جرى في قوله: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم [يوسف/ ١٠٩]، فيكون الضمير للذين من قبلهم من مكذبي الرسل وإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى: ظنّ الرسل أن الذي وعد الله أممهم على لسانهم قد كذبوا أو كذبوا فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء، ولا إلى صالحي عباد الله، وكذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا فظنوا أنهم قد أخلفوا، لأن الله لا يخلف الميعاد، ولا مبدّل لكلماته.
(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي ورواية الديوان له «أو أومض ثم هاجا» والخلاج من الإبل: التي اختلجت أولادها عنها واحدها «خلوج» تخلج عنها إما بموت وإما بذبح، «دهما»: سودا. انظر شرح السكري ١/ ١٧٧.