للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي هذا حرمان التأسّي، وهي نعمة يسلبها الله من أهل النّار ليكون أشدّ لعذابهم، ألا ترى أنّ التأسّي قد يخفّف عن المتأسّي كثيرا من حزن كما جاء:

... ولكن أعزّي النفس عنه بالتأسّي «١» ولكنّه أضمر الفاعل هنا لما يقع عليه من الدّلالة بعد، وجاز له إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه، كقولهم: إذا كان غدا فائتني، فأضمر الفاعل، فكذلك أضمره لدلالة في قوله: لن ينفعكم اليوم، وحال التلاوة دالّة عليه ومبينة له، ويجوز فيه وجه آخر، وهو: أن يكون فاعل ينفع التبرّؤ كأنّه: ولن ينفعكم اليوم تبّرؤ بعضكم من بعض، وأظنّ أنّ بعض المفسّرين قد قاله، ودلّ على التبرؤ ما في الكلام من الدّلالة عليه، وذلك أنّ قوله: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين [الزخرف/ ٣٨]، يدلّ على التبرؤ، فصار إضمار الفاعل هنا كإضماره في قوله: فزادهم إيمانا [آل عمران/ ١٧٣] ونحوه في أن ما تقدّم من الكلام يدلّ عليه، ومن فتح أن* على هذا القول وجب أن يكون في موضع نصب، لأنّ الفعل إذ اشتغل بما تحمّله من الضمير الذي هو الذّكر، في المعنى، وجب أن يكون أنكم في موضع نصب، فأمّا اليوم في قوله ولن ينفعكم اليوم فمتعلق بالنفع، ولا يجوز إذا تعلّق به ظرف من الزّمان أن يتعلّق به آخر منه، ولا يصحّ بدل إذ* من اليوم*، ولكن الظرف الذي هو إذ* يتعلّق بالمعنى كأنّه: لن ينفعكم


(١) هذا من بيت للخنساء صدره:
وما يبكون مثل أخي ولكن انظر ديوانها/ ٩٠ والبيت استشهد به البغدادي في شرح أبيات المغني ٧/ ٢٨٩. وانظر الكشاف ٤/ ١٩٩