للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يرى العالم إلا دونه، وما كان يفكر في أحد، حتى إنه كان إذا جرى حديث عضد الدولة قال: صاحب السطح فعل كذا، وصاحب السطح قال كذا، وذلك أن الملك بشيراز كان يقعد في أكثر أوقاته على سطح له كان فيه مجلسه. ثم قال أبو الفتح: وما كان مع ذلك إلا بحيث يضع نفسه، فإنه كان فوق كلّ من نظر في هذا العلم، ولو عاش أبو العباس وأبو بكر وطبقتهما لأخذوا عنه بلا أنفة، ولو أدركه الخليل وسيبويه لكانا يقرّان له ويتجملان به.

وقال ابن العديم: وكان أهل بغداد يقولون في زمانه: لو عاش سيبويه لاحتاج إليه. [مجلة المجمع ٤/ ٧٥٢ المجلد ٥٨]. وكان عضد الدولة يتشاغل بالعلم فوجد له في تذكرة: «إذا فرغنا من حلّ أوقليدس كله تصدقت بعشرين ألف درهم، وإذا فرغنا من كتاب أبي علي النحوي تصدّقت بخمسين ألف درهم ... » قاله ابن الجوزي في المنتظم [٧/ ١١٥]. وقد حظي أبو علي الفارسي بمنزلة عالية عند عضد الدولة، فكان أكيله وجليسه، يدلّنا على ذلك ما نقله ابن العديم في ترجمته له [مجلة المجمع ... ] حيث قال: «أخبرنا أبو يعقوب، يوسف بن محمود بن الحسين السادي بالقاهرة، قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني إجازة إن لم يكن سماعا، قال: سمعت القاضي أبا منصور العمراني بآمد يقول: سمعت أبا الحسن علي بن فضال النحوي يقول: كان عضد الدولة يقرأ الأدب على أبي علي الفارسي، ويبالغ في إكرامه ويحضره معه المائدة، فلما كبر وأضرّ، كان يحضره أيضا على العادة المستمرة، وكان رسمه أنه إذا فرغ من الأكل يلتفت والفراش قائم، فيقلب الماء على يده، فاتفق يوما أن كان الفراش مشغولا، فلما التفت الشيخ ليغسل يده اختلسه عضد الدولة، وجاء مجيء الفراش، فأخذ الإبريق، وقلب على يده الماء. فجاء الفراش، فأومأ إليه أن أمسك إلى أن فرغ، وأعطاه المنديل، فمسح يده ورجع مكانه. فقال الفراش: يا سيدنا! تعلم من قلب على يدك الماء؟ فقال: أنت. فقال: إنّما كان مولانا عضد الدولة. فقام الشيخ أبو علي قائما وقال: لو لم أجد من حلاوة العلم إلّا هذا لكان فضلا كثيرا.

ثم رفع يديه نحو السماء وقال: أكرمك الله الذي أكرمتني لأجله، أكرمك الله الذي أكرمتني لأجله وجعل يكرره.

وقد بلغ من مكانة أبي علي عند عضد الدولة أن جعله وكيله في العقد

<<  <  ج: ص:  >  >>