وخلاصة هذا الكلام أن في القرآن بلاغة تعم كل آياته، وفصاحة تشيع في مختلف نواحيه، بعكس كلام البلغاء يتفاوت في قوته وضعفه، ولا يخلو كلام أحدهم من الغث.
وممن أرجع إعجاز القرآن إلى الفصاحة وغرابة الأسلوب والسلامة من جميع العيوب مع اقتران ذلك بالتحدي العلامة فخر الدين الرازي صاحب التفسير المشهور. فهو يضيف التحدي إلى الفصاحة، وغرابة الأسلوب عما كان مألوفا عند العرب.
ولأبي سليمان الخطابي المتوفي عام ٣٨٨ أيضا رسالة في الإعجاز ترجع سره إلى البلاغة. ويرى أن بليغ الكلام ينقسم إلى نوع أعلى وآخر أوسط وثالث أدنى أي أقرب. يقول: «فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع بين صفتي الفخامة
والعذوبة، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين، لأن العذوبة نتاج السهولة، والجزالة والمتانة في الكلام يعالجان نوعا من الوعورة، فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوّ كل منهما عن الآخر فضيلة خص بها القرآن، يسّرها الله بلطيف قدرته ليكون آية بينة لنبيه، ودلالة على صحة ما دعا اليه من أمر دينه. وانما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور:
منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني.
ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها، وارتباط بعضها ببعض ... وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى قائم، ورباط لها ناظم.
إذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى