للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلها إلى مذهب يشهد لصاحبه بعبقرية لغوية منقطعة النظير، وعلى أساس هذا المذهب كوّن مبادئه في إدراك «دلائل الإعجاز» في القرآن. إن عبد القاهر يرى «أن الألفاظ لا تفيد حتى تؤلف ضربا خاصا من التأليف، ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب (١)». من هنا لم يهتم عبد القاهر في بحثه عن الإعجاز بالمفردات

اللغوية، على أساس أن هذه لا تعني شيئا إذا جرّدت من النظم الذي يخلق لها السياق، ويحدد العلاقات بينها.

إن صفة الإعجاز- عند عبد القاهر- ينبغي أن تكون «وصفا قد تجدد بالقرآن، وأمرا لم يوجد في غيره، ولم يعرف قبل نزوله. وإذا كان كذلك فقد وجب أن يعلم أنه لا يجوز أن يكون في الكلم المفردة، لأن تقدير كونه فيها يؤدي إلى المحال، وهو أن تكون الألفاظ المفردة- التي هي أوضاع اللغة- قد حدث في حذاقة حروفها وأصدائها أوصاف لم تكن لتكون تلك الأوصاف فيها قبل نزول القرآن، وتكون قد اختصت في أنفسها بهيئات وصفات يسمعها السامعون عليها إذا كانت متلوة في القرآن، لا يجدون لها تلك الهيئات والصفات خارج القرآن. ولا يجوز أن تكون في معاني الكلم المفردة التي هي لها بوضع اللغة، لأنه يؤدي إلى أن يكون قد تجدد في معنى الحمد والرب ومعنى العالمين والملك واليوم والدين وهكذا وصف لم يكن قبل نزول القرآن (٢)».

كذلك ينبغي أن لا يبحث عن الإعجاز في تركيب الحركات والسكنات، تلك التي يستعان بها في تمييز بحور الشعر بعضها عن بعض.

وينفي عبد القاهر كذلك أن تكون المقاطع والفواصل سر الإعجاز «لأنه أيضا ليس بأكثر من التعويل على مراعاة وزن، وانما الفواصل في الآي كالقوافي في الشعر، وقد علمنا اقتدارهم على القوافي كيف هو، فلو لم يكن التحدي إلا إلى فصول من الكلام يكون لها أواخر أشباه القوافي لم يعوزهم ذلك ولم يتعذر عليهم (٣)».


(١) أسرار البلاغة، ص ٢.
(٢) دلائل الاعجاز، ص ٢٩٥.
(٣) المصدر السابق.

<<  <   >  >>