ويسخر من القائلين بأن مرد الإعجاز إلى الصرفة، أي إلى أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن، على نحو ما قال النظام. فمثل هذا ما كان ليدل على إعجاز القرآن بنفسه، وإنما بأمر خارجي، مما يجعل عجز العرب عن مجاراته مصدر العجب وليس القرآن ذاته. يقول:«أرأيت لو أن نبيا قال لقومه: إن آيتي أن أضع يدي على رأسي هذه الساعة، وتمنعون كلكم من أن تستطيعوا وضع أيديكم على رءوسكم، وكان الأمر كما قال، مم يكون تعجب القوم؟ أمن وضعه يده على رأسه، أم من عجزهم أن يضعوا أيديهم على رءوسهم». يتحدث بعد ذلك عن النظم فيقول:«ونعود إلى النسق فنقول: «فإذا بطل أن يكون الوصف الذي عجزهم من القرآن في شيء مما عددناه لم يبق إلا أن يكون الاستعارة. ولا يمكن أن تجعل الاستعارة الأصل في الإعجاز، وأن يقصد إليها، لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الإعجاز في آي معدودة، في مواضع من السور الطوال مخصوصة. وإذا امتنع ذلك فلم يبق إلا أن يكون في النظم والتأليف، لأنه ليس من بعد ما أبطلنا أن يكون فيه إلا النظم. وإذا ثبت أنه في النظم والتأليف، وكنا قد علمنا أن ليس النظم شيئا غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم، وأنا إن بقينا الدهر نجهد أفكارنا حتى نعلم للكلم المفردة سلكا ينظمها وجامعا يجمع شملها ويؤلفها ويجعل بعضها بسبب من بعض غير توخي معاني النحو وأحكامه فيها طلبنا ما كل محال دونه ...
فان قيل: «قولك إلا النظم» يقتضي إخراج ما في القرآن من الاستعارة وضروب المجاز من جملة ما هو به معجز، وذلك ما لا مساغ له، قيل: ليس الأمر كما ظننت، بل ذلك يقتضي دخول الاستعارة ونظائرها فيما هو به معجز، وذلك لأن هذه المعاني- التي هي الاستعارة والكناية والتمثيل وسائر ضروب المجاز من بعدها- من مقتضيات النظم، وعنها يحدث، وبها يكون، لأنه لا يتصور أن يدخل شيء منها في الكلم وهي أفراد لم يتوخ فيما بينها حكم من أحكام النحو، فلا يتصور أن يكون هاهنا فعل أو اسم قد دخلته الاستعارة من دون أن يكون قد ألف مع غيره (١)».