للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويوضح لنا بصريح القول أن قصده من تفسير النظم بأنه الاستخدام النحوي لا يعني مجرد قواعد النحو، فهي مما يعرفه كل عربي سليم الفطرة. وإنما يقصد من ذلك دقائق تأليف الكلام، وأسرار الترابط بين مفرداته.

يقول: «ثم إنا نعلم أن المزية المطلوبة في هذا الباب مزية فيما طريقه الفكر والنظر من غير شبهة ... ومن هاهنا لم يجز إذن عد الوجوه التي تظهر بها المزية أن يعد فيها الإعراب، وذلك أن العلم بالإعراب مشترك بين العرب كلهم، وليس هو مما يستنبط بالفكر ويستعان عليه بالروية».

فالعرب جميعا يعرفون أن الفاعل مرفوع وأن المفعول منصوب والمضاف إليه مجرور. لكن إدراك الفاعل في مثل قوله تعالى:

فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ هو الذي يقتضي الذوق والعلم بالنظم. وهكذا في قوله تعالى:

وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وهذا عنده ليس علما بالإعراب، بل بالوصف الموجب للإعراب.

وهكذا إدراك عبارة قرآنية مثل وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ وفهم العلاقات بين المفردات فيها هو الذي يعنيه عبد القاهر بالنظم القرآني.

ثم يقف وقفة أخيرة أمام غريب اللغة، وكيف أن الإعراب في اللغة لا يمكن أن يكون ضربا من الإعجاز. فلو تحدى القرآن عالما بمفردات غريبة لما عجز عن مجارتها بمثلها. ولو تحدى جاهلا بهذه المفردات لكان كمن يتحدى العرب أن يتحدثوا بلسان الترك. ثم هو يقول بعد ذلك إن العرب لم يكونوا يعتبرون الإغراب اللغوي فضيلة، ويستشهد على ذلك بقول عمر في زهير: «إنه كان لا يعاظل

<<  <   >  >>