للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الذي يخالطُ النَّاسَ ويصبرُ على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبرُ على أذاهم» (١).

وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من استطاع أن ينفعَ أخاه فلينفعه» (٢).

والذي يفعله المتصوفة هو من تلبيس الشيطان عليهم، يقول ابن الجوزي: "وقد لبَّس إبليس على جماعة من المتصوفة فمنهم من اعتزل في جبل كالرُّهبان يبيت وحده ويصبح وحده، ففاتته الجمعة وصلاة الجماعة ومخالطة أهل العلم، وعمومهم اعتزل في الأربطة ففاتهم السعي إلى المساجد وتوطَّنوا على فراش الراحة وتركوا الكسب" (٣).

وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنَّ الخلوة والعزلة المشروعة نوعان:

واجبة، ومستحبة:

الواجب اعتزال الناس في الأمور المحرمة، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (٤)، وقال تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} (٥).

فإن أولئك لم يكونوا في مكان فيه جمعة ولا جماعة ولا من يأمر بشرع نبي فلهذا أووا إلى الكهف، والمستحب هو اعتزال الناس في فضول المباحات، أو أراد


(١) أخرجه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم ٦٦٥١، وفي السلسلة الصحيحة برقم ٩٣٣٩.
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الآداب، باب استحباب الرقية من العين ٤/ ١٧٢٦ رقم ٢١٩٩.
(٣) تلبيس إبليس، ص ٣٥٢.
(٤) سورة الأنعام: ٦٨.
(٥) سورة الكهف: ١٦.

<<  <   >  >>