للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية - رحمه الله -: "وهذه طريقة أهل التصوف، فهم ظنوا أن توحيد الربوبية هو الغاية, والفناء (١) فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن واستقباح القبيح، فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي والوعد والوعيد ... ومجرد شهود الربوبية من غير فعل ما يحبه الله ويرضاه ليس بإيمان ينجي من عذاب الله فضلًا عن أن يكون غاية العارفين" (٢).

ولو تأمل ابن عجيبة النصوص النبوية، وعرف ما كان يأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويفعله الصحابة - رضي الله عنهم - للزم طريق الحق ولم يَحِد عنه.

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بقول: لا إله إلا الله بعد دبر كلِّ صلاة لما لها من الفضل العظيم، ولم يأمر الناس باختصارها، وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم -: «أنه كان يقول في دبر كلِّ صلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له» (٣).

وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنَّ عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنَّ الجنة حقٌّ والنار حقٌّ، أدخله الله الجنَّة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء" (٤).

ولقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السُّنَّة وأقرب إلى ضلال الشيطان، "والمقصود هنا أن المشروع في ذكر الله - سبحانه وتعالى - هو


(١) يزعمون أنَّ العبد يفنى في شخصه ويبقى في ربه بعد مجاهدة ومجالدة وتصفية للنفس، وأول من قال بها أبو يزيد البسطامي في القرن الثالث الهجري. ينظر: المعجم الفلسفي، ص ١٤١، والتعريفات، للجرجاني، ص ١٧٩.
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ٢/ ٨٥٤ - ٨٥٦، وينظر: مجموع الفتاوى ٨/ ١٠٠ - ١٠١
(٣) أخرجه البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، ١/ ٢٨٩، رقم ٨٤٤.
(٤) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أنَّ من مات على التوحيد دخل الجنة ١/ ٥٧، رقم ٢٨.

<<  <   >  >>