للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبودية، فوضع المسألة في غير موضعها، وأنزلها بغير أهلها، وظلم توحيده وإخلاصه، وفقره إلى الله، وتوكله عليه ورضاه بقسمه، واستغنى بسؤال الناس عن مسألة رب الناس، وذلك كلُّه يهضم من حق التوحيد، ويطفئ نوره ويضعف قوته.

وأما ظلمه للمسؤول: فلأنه سأله ما ليس عنده، فأوجب له بسؤاله عليه حقًّا لم يكن له عليه, وعرضه لمشقة البذل، أو لوم المنع، فإن أعطاه أعطاه على كراهة، وإن منعه منعه على استحياء وإغماض، هذا إذا سأله ما ليس عليه، وأما إذا سأله حقًّا هو له عنده: فلم يدخل في ذلك, ولم يظلمه بسؤاله.

وأما ظلمه لنفسه: فإنه أراق ماء وجهه وذلَّ لغير خالقه، وأنزل نفسه أدنى المنزلتين، ورضي لها بأبخس الحالتين، ورضي بإسقاط شرف نفسه، وعزَّة تعفُّفِه، وراحة قناعته، وباع صبره ورضاه وتوكله وقناعته بما قسم له واستغناءه عن الناس بسؤالهم، وهذا عينُ ظلمه لنفسه، إذ وضعها في غير موضعها، وأخمل شرفها، ووضع قدرها، وأذهب عزَّها، وصغَّرها وحقَّرها، ورضي أن تكون نفسه تحت نفس المسؤول، ويده تحت يده، ولولا الضرورة لم يبح ذلك في الشرع" (١).

وإن تعجب فعجبٌ لقول ابن عجيبة: "إذا عارض كشفك الكتاب والسُّنَّة فاعمل بالكتاب"، "ولا يلزم من عدم العمل بها انتقادها على أهلها، فإنَّ العملَ واسع، له ظاهرٌ وباطن، ومسائل الإلهامات تارة ترد على حسب العلم الظاهر، وتارة على حسب العلم الباطن، فإن لم تفهم فسلِّم، ودع ما تعرف لما لا تعرف" (٢).

ثم يقول بعد ذلك: "طريق التصوف مؤسَّسة على الكتاب والسُّنَّة وإلهامات


(١) مدارج السالكين ٢/ ٢٤٢.
(٢) إيقاظ الهمم، ص ٣٦٨.

<<  <   >  >>