للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا لم يكن وجود إلا وجوده فمن الممتنع أن يكون خالقًا لوجود نفسه أو بارئًا لذاته فإنَّ العلم بذلك من أبين العلوم وأبدهها للعقول، إن الشيء لا يخلق نفسه ولهذا قال - سبحانه وتعالى -: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (١) فإنهم يعلمون أنهم لم يكونوا مخلوقين من غير خالق ويعلمون أنَّ الشيء لا يخلق نفسه فتعيَّن أنَّ لهم خالقًا، وعند هؤلاء الكفَّار الملاحدة الفرعونية أنَّه ما ثمَّ شيءٌ يكون الرَّبُّ قد خلقه أو برأه أو أبدعه إلا نفسه المقدسة، ونفسه المقدسة لا تكون إلا مخلوقة مربوبة مصنوعة مبروءة؛ لامتناع ذلك في بدائه العقول، وذلك من أظهر الكفر عند جميع أهل الملل والآراء، وهذا ردٌّ للكتاب والسُّنَّة والإجماع، أين هم من قول الله - عز وجل - {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (٢).

قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: "أي: خالقهما ومبدعهما، في غاية ما يكون من الحسن والخلق البديع، والنظام العجيب المحكم" (٣).

وقال أيضًا: "والله خالقٌ كلَّ شيء وليس شيءٌ من المخلوقات مشابهًا لله بوجهٍ من الوجوه، ولما ذكر عموم خلقه للأشياء، ذكر إحاطة علمه بها فقال: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (٤)، وفي ذكر العلم بعد الخلق، إشارة إلى الدليل العقلي إلى ثبوت علمه، وهو هذه المخلوقات، وما اشتملت عليه من النظام التام، والخلق الباهر، فإنَّ في ذلك دلالة على سعة علم الخالق، وكمال حكمته، كما قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ


(١) سورة الطور: ٣٥.
(٢) سورة الأنعام: ١٠١.
(٣) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان ١/ ٩٨٤.
(٤) سورة الحديد: ٣.

<<  <   >  >>