للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا استدلال ابن عجيبة بأنَّ الرؤيا جزءٌ من النبوة فمقلوب عليه؛ لأن المراد بالجزء هنا تحقيق أمر الرؤيا وتأكيده، وإنما كانت جزءًا من النبوة في حق الأنبياء، وتوجد الرؤيا الصالحة كذلك في الصالحين، ولا تعني حصول النبوة له بذلك؛ لأن النبوة هبة من الله - عز وجل - يختصُّ بها من عباده ما يشاء.

والجزء لا يقوم مقام الكل في جميع الوجوه، بل إنما يقوم مقامه في بعض الوجوه، وإنما هي من باب البشارة والنذارة؛ لأن النبوة لا تتجزأ ولا نبوة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - (١).

وقد يقول قائل: هل ما يراه النائم أو الإلهامات من الوحي؟

قال ابن تيمية: "فإنَّ ما يلقيه الله - عز وجل - في قلوب المؤمنين من الإلهامات الصادقة العادلة هي من وحي الله، وكذلك ما يريهم إياه في المنام" (٢).

وزاد الأمر إيضاحًا بقوله: "فإن المنام تارة يكون من الله - عز وجل - وتارة يكون من النفس وتارة يكون من الشيطان وهكذا ما يلقى في اليقظة، والأنبياء معصومون في اليقظة والمنام، ولهذا كانت رؤيا الأنبياء وحيًا ... وليس كل من رأى رؤيا كانت وحيًا فكذلك ليس كل من ألقي في قلبه شيءٌ يكون وحيًا، والإنسان قد تكون نفسه في يقظته أكمل منها في نومه، كالمصلي الذي يناجي ربه، فإذا جاز أن يوحى إليه في حال النوم فلماذا لا يوحى إليه في حال اليقظة؟ كما أوحى إلى أمِّ موسى والحواريين وإلى النحل، لكن ليس لأحد أن يطلق القول على ما يقع في نفسه أنه وحي لا في يقظة ولا في المنام إلا بدليل يدلُّ على ذلك، فإن الوسواس غالب على الناس، والله أعلم" (٣).


(١) ينظر: شرح السُّنَّة ١٢/ ٢٠٦، الاعتصام ١/ ٣٣٣.
(٢) مجموع الفتاوى ١٥/ ٩٨.
(٣) المرجع نفسه ١٧/ ٥٣٢.

<<  <   >  >>