للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن هل كل من رأى رؤيا يستطيع أن يجزم بأن رؤيته صادقة حقًّا، وهل يجد معبر لها كمعبر يوسف - عليه السلام -؟

قال الشاطبي - رحمه الله -: "فإن الرؤيا التي هي جزءٌ من أجزاء النبوة من شرطها أن تكون صالحة من الرجل الصالح، وحصول الشروط مما ينظر فيه، فقد تتوفر وقد لا تتوفر، وأيضًا فهي منقسمة إلى الحلم وهو من الشيطان، وإلى حديث النفس، وقد تكون سبب هيجان بعض أخلاط، فمتى تتعين الصالحة حتى يحكم بها، ونترك غير الصالحة؟ ويلزم أيضًا على ذلك أن يكون تجديد وحي بحكم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو منهيٌ عنه بالإجماع" (١).

والحديث الذي استدلَّ به ابن عجيبة على أن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة حمَّله ما لا يحتمل، وليس هذا المراد من الحديث بل المراد به التشبيه كما بيَّن ذلك زين الدين العراقي (٢) بقوله: "لا يتخيل من هذا الحديث أن رؤيا الصالح جزء من أجزاء النبوة، فإن الرؤيا إنما هي من أجزاء النبوة في حق الأنبياء -عليهم السلام- وليست في حق غيرهم من أجزاء النبوة ولا يمكن أن يحصل لغير الأنبياء جزء من النبوة، وإنما المعنى أنَّ الرؤيا الواقعة للصالح تُشبه الرؤيا الواقعة للأنبياء التي هي في حقهم جزء من أجزاء النبوة فأطلق أنها من أجزاء النبوة على طريق التشبيه" (٣).


(١) الاعتصام ١/ ٣٣٣.
(٢) هو: أبو الفضل، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم الكردي الشافعي، ويعرف بالحافظ العراقي، ولد في جمادى الأولى سنة ٧٢٥ هـ، عالم بالحديث، أثنى عليه شيوخ عصره، كالسُّبكي، والعلائي، له مؤلفات منها: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج أحاديث الإحياء، ونكت منهاج البيضاوي في الأصول، وذيل على الميزان، مات سنة ٨٠٦ هـ. ينظر: إنباء الغمر بأبناء العمر ٥/ ١٧٠، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٤/ ١٧١، شذرات الذهب في أخبار من ذهب ٧/ ٥٥.
(٣) طرح التثريب في شرح التقريب ٨/ ٢١٤.

<<  <   >  >>