للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلَّق الدكتور عبد الرحمن المحمود على قول الأشاعرة بقوله: "وجماع المعاني التي قصدوها بقولهم هذا: أنه تعالى عن قولهم ليس قائمًا بنفسه، ولا بائنًا من خلقه ولا على العرش استوى، وأنه لا يُشار إليه في جهة العلو، وهذا ما يعبرون عنه بنفي الجسمية والتحيُّز، والجهة، وكل متحيِّز فهو منقسم، وكل منقسم فهو ليس بأحد، وهكذا صار حقيقة التوحيد والواحد والأحد عند هؤلاء نفي صفات الله الخبرية، ونفي علوه على عرشه" (١).

وهذا المفهوم للتوحيد غريب على اللسان العربي، والقرآن نزل بلغة العرب، ولم يرد استخدام الواحد في القرآن والسُّنَّة إلَاّ فيما سمَّاه هؤلاء منقسمًا مثل قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} (٢)، وقوله تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (٣)، وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} (٤)، وقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} (٥)، فكل ما سمي واحد في هذه الآيات يصح انقسامه؛ لأنه جسم من الأجسام التي يصح انقسامها، وأمَّا السُّنَّة فلقد مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أمَّا أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأمَّا الآخر فكان يمشي بالنميمة" (٦).

وإن قال قائل من أهل الكلام: هذا الاستخدام على سبيل المجاز، فيجاب


(١) موقف ابن تيمية من الأشاعرة ٣/ ٩٤٨.
(٢) سورة البقرة: ٢٦٦.
(٣) سورة الكهف: ٤٩.
(٤) سورة النساء: ١١.
(٥) سورة المدثر: ١١.
(٦) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب النميمة من الكبائر ١/ ٨٩، برقم ٢١٦، والفتح ١٠/ ٤٧٢.

<<  <   >  >>