للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يسبقكم إليها أحدٌ من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين وأئمة المسلمين، وفررتم من محذور إلى محذور كالمستجير من الرمضاء بالنار، ثم قولكم: إنه معنى واحد وهو: مدلول جميع العبارات مكابرة للعقل والشرع، فإنَّا نعلم بالاضطرار أنه ليس معنى آية الكرسي هو معنى آية الدين، ولا معنى تبَّت يدا أبي لهب هو معنى سورة الإخلاص، والتوراة إذا عرَّبناها لم تصر هي القرآن العربي الذي جاء به محمَّد، وكذلك إذا ترجمنا القرآن بالعبرية لم يكن هو توراة موسى - عليه السلام - إلى أن قال ... والسَّلف والأئمة لم يقل أحدٌ منهم بقولكم، لكن قالوا: إنَّ الله تكلَّم بالقرآن وغيره من الكتب المنزلة، وإنَّ الله - عز وجل - نادى موسى بصوت سمعه موسى بأذنه كما دلَّت على ذلك النصوص، ولم يقل أحدٌ منهم إن ذلك النداء الذي سمعه موسى قديم أزلي، ولكن قالوا: إنَّ الله لم يزل متكلِّمًا إذا شاء وكيف شاء؛ لأنَّ الكلام صفة كمال لا صفة نقص، وإنما تكون صفة كمال إذا قام به لا إذا كان مخلوقًا بائنًا عنه فإنَّ الموصوف إلا بما قام به لا يتصف بما هو بائن عنه.

فلا يكون الموصوف حيًّا عالِمًا قادرًا متكلِّمًا رحيمًا مريدًا بحياة قامت بغيره ولا بعلم وقدرة قامت بغيره ولا بكلام ورحمة وإرادة قامت بغيره.

والكلام بمشيئة المتكلِّم وقدرته، أكمل ممن لا يكون بمشيئته وقدرته، وأمَّا كلام يقوم بذات المتكلِّم بلا مشيئته وقدرته، فإمَّا أنَّه ممتنع أو هو صفة نقص كما يدعى مثل ذلك في المصروع، وإذا كان كمالًا فدوام الكمال له وأنه لم يزل موصوفًا بصفات الكمال أكمل من كونه صار متكلِّمًا بعد أن لم يكن لو قدر أن هذا ممكن فكيف إذا كان ممتنعًا.

وكان أئمة السُّنَّة والجماعة كلما ابتدع في الدين بدعة أنكروها ولم يقروها،

<<  <   >  >>