للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقصود هنا بيان ما خالف ابن عجيبة أهل السُّنَّة والجماعة في قضية من أكبر القضايا التي ما بعث الرُّسُل عليهم السلام إلا لأجلها وهي توحيد العبادة.

ولهذا اعتنى أهل السُّنَّة والجماعة عناية خاصَّة بتوحيد الألوهية وبيَّنوه غاية البيان، فهو الغاية التي يحصل بها كمال بني آدم وسعادتهم، ونجاتهم بتحقيق معنى لا إله إلا الله: أي لا معبود بحقٍّ إلا الله.

قال ابن القيم: "فهو التوحيد الذي جاءت به الرُّسُل من أولهم إلى آخرهم، ونزلت به الكتب كلها، وبه أمر الله الأولين والآخرين، وذكر الآيات الواردة بذلك.

ثم قال: وقد أخبر الله عن كل رسول من الرُّسُل أنَّه قال لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (١).

والتوحيد أوَّلُ دعوة الرُّسُل وآخرها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أمرتُ أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنِّي رسول الله» (٢) وقال: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله، دخل الجنَّة» (٣) , والقرآن مملوءٌ من هذا التوحيد، والدعوة إليه، وتعليق النجاة والسعادة في الآخرة به، وحقيقته: إخلاص الدين كله، والفناء في هذا التوحيد مقرون بالبقاء، وهو أن تثبت إلهية الحق تعالى في قلبك، وتنفي إلهية ما سواه، فتجمع بين النفي والإثبات، فالنفي هو الفناء، والإثبات هو البقاء، وحقيقته: أن تفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه، وأمرنا تعالى أن نتأسى بإمام هذا التوحيد في نفيه وإثباته، كما


(١) سورة هود: ٥٠.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} ١/ ٢٤، رقم ٢٥.
(٣) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أنه من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، ١/ ٥٥، رقم ٤٣.

<<  <   >  >>