بل لا يتحقق الإخلاص حتى تسقط المنزلة عند الناس كما زعم بقوله:"وقال بعض العارفين: لا يتحقق الإخلاص حتى يسقط من عين الناس، ويسقط الناس من عينه، ولذلك قال آخر: كُلَّما سقطت من عين الخلق عظمت في عين الحق، وكُلَّما عظمت في عين الخلق سقطت من عين الحق، يعني ملاحظتهم ومراقبتهم، وسمعت شيخنا يقول: ما دام العبدُ يراقب الناس ويهابهم لا يتحقق إخلاصه أبدًا"(١).
وتعليق ابن عجيبة على أنه لا ينتقل من عمل هو فيه إلى عمل آخر بحجة الوقت، هو تجريد الإنسان من الإرادة الموافقة للشرع، وهذا من الباطل الذي لا يقره من معه مسكة عقل.
قال ابن تيمية: "وأمَّا خلو الإنسان عن الإرادة مطلقًا فممتنع؛ فإنه مفطورٌ على إرادة ما لا بدَّ له منه، وعلى كراهة ما يضره ويؤذيه، والزاهد الناسك إذا كان مسلمًا فلا بدَّ أن يريد أشياء يحبها الله - عز وجل - مثل أداء الفرائض وترك المحارم، بل وكذلك عموم المؤمنين لا بدَّ أن يريد أحدهم أشياء يحبها الله، وإلا فمن لم يحب الله ولا أحب شيئًا لله، فلم يحبّ شيئًا من الطاعات، لا الشهادتين ولا غيرهما، ولا يريد ذلك فإنه لا يكون مؤمنًا، فلا بدَّ لكلِّ مؤمن من أن تكون له إرادة لبعض ما يحبه الله ... وأمَّا الخلو عن الإرادتين المحمودة والمذمومة فيقع على وجهين:
(أحدهما) مع إعراض العبد عن عبادة الله تعالى وطاعته وإن علم بها فإنه قد يعلم كثيرًا من الأمور أنه مأمور بها وهو لا يريدها ولا يكره من غيره فعلها وإذا اقتتل المسلمون والكفَّار لم يكن مريدًا لانتصار هؤلاء الذي يحبه الله ولا لانتصار هؤلاء الذي يبغضه الله.