للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا إسقاط المنزلة بين الناس لأجل التواضع والإخلاص فمقلوبة على ابن عجيبة بكلام أهل التحقيق من العلماء.

يقول ابن رجب - رحمه الله -: "والإنسان قد يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يُرى أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء ... قال مطرّف بن عبد الله الشخِّير (١): كفى بالنَّفس إطراءً أن تذمَّها على الملأ، كأنَّك تريد بذمِّها زينتها، وذلك عند الله سفه" (٢).

وما سلكه ابن عجيبة من تخريب الظاهر ليحقق الإخلاص لا يوجد له أصلٌ في الكتاب والسُّنَّة ولا من أقوال سلف الأُمَّة، بل ناشئٌ من الجهل بأمرين: جهل بحقيقة الدين، وجهل بحقيقة النعيم الذي هو غاية مطلوب النفوس وكمالها، وبه زينتها وجمالها.

وتخريب الظاهر منهيٌّ عنه في الكتاب والسُّنَّة، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (٣)، (٤).

قال المناوي (٥): " ... وقد أمر الشارع بالتوسُّط بين التفريط والإفراط حتى في


(١) هو أبو عبد الله، مطرف بن عبد الله بن الشِّخِّير، العامري الحرشي، البصرى، ثقة، عابد، فاضل، نجا من فتنة ابن الأشعث، مات سنة ٩٥ هـ. ينظر: الجرح والتعديل ٨/ ١٤٤١، تهذيب الكمال ٢٨، ٦٧، معاني الأخيار ممن شرح أسماء رجال معاني الآثار ٣/ ٤٨، المعجم الصغير لرواة الإمام ابن جرير ٢/ ٥٦٠.
(٢) مجموع رسائل ابن رجب ١/ ٨٨، وينظر لهذا الأثر: تاريخ دمشق ٥٨/ ٣٠١.
(٣) سورة الأعراف: ٣٢.
(٤) ينظر: الروح، ص ٥١٤.
(٥) هو محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي، ثم المناوي، ولد سنة ٩٥٢ هـ، وتوفي سنة ١٠٣١ هـ، من مصنفاته، فيض القدير، شرح المسائل للترمذي، ينظر: الأعلام ٦/ ٢٠٤، معجم المؤلفين ٥/ ٢٢٠.

<<  <   >  >>