للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعمال العبادات الأخرى، مثل رمي الجمار وغيره (١)، وهؤلاء يرون أنه لا أثر للدعاء في حصول المطلوب، وعندما يدعون الله - عز وجل - فهم يريدون تزيين الجوارح الظاهرة بالدعاء؛ لأنَّ الدعاء ضربٌ من الخدمة، يريد أن يزين جوارحه بالخدمة، ومنهم يدعوا ائتمارًا بالدعاء لما أمره الله تعالى، وهؤلاء على ضربين:

منهم من يجعل الدعاء من حظ العامة (٢)، ومنهم من يجعله للمبتدئين في الطريق، وأمَّا مقامات الخواص ترك الدعاء نظرًا للقدر (٣).

وطائفة من المتفلسفة وغالية المتصوفة الذين تركوا الدعاء بزعمهم أنَّه لا فائدة فيه؛ لأنَّ المسؤول إن كان قد قدَّر ناله ولا بدَّ وإن لم يقدر لم ينله فأي فائدة في الاشتغال بالدعاء (٤)، يعني أنَّ المشيئة الإلهية إذا اقتضت وجود ذلك المطلوب فسوف يحصل لا محالة سواءً دعا الله أم لم يدع، وإن لم تقتضيه فلا يمكن أن يحصل سواء دعا أم لا، وهذه من أفسد الأقوال شرعًا وعقلًا (٥).

قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (٦)، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (٧).


(١) ينظر: جامع المسائل ١/ ٨٧.
(٢) قال القشيري في رسالته: "دعاء العامة بالأقوال، ودعاء الزُّهَّاد بالأفعال، ودعاء العارفين بالأحوال ... وقيل: ألسِنة المبتدئين منطلقة بالدعاء وألسِنة المتحققين خرصت عن ذلك" ٢/ ٥٤٥.
(٣) ينظر: اللمع، للطوسي، ص ٣٣٣، ومدارج السالكين ٢/ ١١٨، والفتاوى ١٠/ ٣٥، ٨/ ٢٨٤، وبدائع الفوائد ٢/ ٢٤٠.
(٤) زاد المعاد في هدي خير العباد ٣/ ٤٢٠.
(٥) ينظر: التحفة العراقية في الأعمال القلبية، ص ١٨٨، والجواب الكافي ١/ ١٥.
(٦) سورة غافر: ٢٤.
(٧) سورة فاطر: ١٥.

<<  <   >  >>