للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما اعتمد عليه ابن عجيبة في قوله بوجوب ترك الدعاء:

اعتمد فيما ذهب إليه على شبهات واهية ومنها:

الشبهة الأولى: احتجاجه بالمشيئة الإلهية

قال ابن عجيبة: "قد قضى الحقُّ -جلَّ جلاله- ما كان وما يكون في سابق علمه، فما من نَفَسٍ تُبديه إلَاّ وله قَدَرٌ فيك يُمضيه, فالواجب على العبد أن يكون ابن وقته، إذا أصبح نظر ما يفعل الله به، فأسرار القدر قد استأثر الله بعلمها" (١).

وليس فيما يقوله ابن عجيبة من تعلُّقه بأنَّ القدر سرٌّ قد استأثر الله بعلمه ما يقوِّي كون العبد لا يدع الله - عز وجل - ويكون ابن وقته، بل هو ردٌّ للشرائع.

قال ابن الجوزي عن هذه الشبهة: "ردٌّ لجميع الشرائع وإبطال لجميع أحكام الكتب وتبكيت للأنبياء كلهم فيما جاءوا به؛ لأنه إذا قال في القرآن: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (٢) قال القائل: لماذا إن كنتُ سعيدًا فمصيري إلى السعادة وإن كنت شقيًّا فمصيري إلى الشقاوة فما تنفعني إقامة الصلاة؟ .... وما يفضي إلى ردِّ الكتب وتجهيل الرُّسُل محالٌ باطل" (٣).

والدعاء من الأسباب التي أُمرنا بها لكشف الضرِّ وغيره، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (٤).

قال ابن القيم: "ولو تتبَّعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسُّنَّة لزاد


(١) البحر المديد ٣/ ١٨٤.
(٢) سورة الأنعام: ٧٢.
(٣) تلبيس إبليس، ٣٦٥.
(٤) سورة النمل: ٦٢.

<<  <   >  >>