للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه ضلالة كبرى، وهي كما قال ابن الجوزي: "سدٌّ لباب السؤال والدعاء، وهو جهلٌ بالعلم" (١).

وأصل شبهتهم: أنَّ الشَّيء إذا عُلم وكُتب أنه يكفي ذلك في وجوده ولا يحتاج إلى ما به يكون من الفاعل الذي يفعله، وسائر الأسباب (٢).

وقد ردَّ ابن تيمية على أصل شبهتهم "من وجهين:

الوجه الأول: من جهة كونه جعل العلم جهلًا، فإنَّ العلم يطابق المعلوم ويتعلق به على ما هو عليه، وهو سبحانه قد علم أنَّ المكونات تكون بما يخلقه من الأسباب؛ لأنَّ ذلك هو الواقع، فمن قال: إنَّه يعلم شيئًا بدون الأسباب فقد قال على الله الباطل، وهو بمنزلة من قال: إنَّ الله يعلم أنَّ هذا الولد وُلِد بلا أبوين وأنَّ هذا النبات نبت بلا ماء.

الوجه الثاني: أنَّ العلم بأنَّ الشَّيء سيكون والخبر عنه بذلك وكتابة ذلك لا يوجب استغناء ذلك عمَّا به يكون من الأسباب التي لا يتم إلا بها كالفاعل وقدرته ومشيئته؛ فإنَّ اعتقاد هذا غايةٌ في الجهل، إذ هذا العلم ليس موجبًا بنفسه لوجود المعلوم باتفاق العلماء، بل هو مطابقٌ له على ما هو عليه لا يكسبه صفةً ولا يكتسب منه صفة، بمنزلة علمنا بالأمور التي قبلنا كالموجودات التي كانت قبل وجودنا مثل علمنا بالله وأسمائه وصفاته فإنَّ هذا العلم ليس مؤثِّرًا في وجود المعلوم باتفاق العلماء، وإن كان من علومنا ما يكون له تأثير في وجود المعلوم كعلمنا بما يدعونا إلى الفعل، ويعرِّفنا صفته وقدره، فإنَّ الأفعال الاختيارية لا تصدر إلا ممَّن له


(١) تلبيس إبليس, ص ٣٣٧.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى ٨/ ٢٧٧.

<<  <   >  >>