للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا التفريق بين الخاص والعام وأهل البداية والنهاية، فلم يرد فيه نصٌّ من الكتاب والسُّنَّة بل هو من عند ابن عجيبة وقومه، وتمييز بين الخاصَّة والعامَّة دعوى معلولة، فهذه الأعمال يستوي فيها الصدِّيقون والشهداء والصالحون، ومن أراد خروج الخاصَّة عنها فقد غلط، فإنَّه لا يخرج عنها مؤمن قط، وإنما يخرج عنها كافر أو منافق (١).

وأفضل الخلق بعد الأنبياء أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لم يدْعُ في صلاته بدعاءٍ حتى سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعلِّمه دعاء يدعو به في صلاته، ففي الصحيحين أنَّه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: «قل اللهم إنِّي ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنَّك أنت الغفور الرحيم» (٢).

ولقد أبان ابن تيمية أهمية الدعاء بتفسيره لسورتي الإخلاص والمعوذتين، فقال: "وأمَّا سورة الإخلاص والمعوذتان، ففي الإخلاص الثناء على اللَّه، وفي المعوذتين دعاء العبد ربه ليعيذه، والثناء مقرون بالدعاء، كما قرن بينهما في أمِّ القرآن المقسومة بين الرَّبِّ والعبد نصفها ثناءٌ للرَّب، ونصفها دعاءٌ للعبد، والمناسبة في ذلك ظاهرة؛ فإنَّ أول الإيمان بالرسول الإيمان بما جاء به من الرسالة وهو القرآن، ثم الإيمان بمقصود ذلك وغايته وهو ما ينتهي الأمر إليه من النعيم والعذاب، وهو الجزاء، ثم معرفة طريق المقصود وسببه وهو الأعمال، خيرها ليفعل، وشرها ليترك ثم ختم المصحف بحقيقة الإيمان وهو ذكر اللَّه ودعاؤه، كما بنيت عليه أمُّ القرآن، فإنَّ حقيقة الإنسان المعنوية هو المنطق،


(١) ينظر مجموع الفتاوى ١٠/ ١٦ - ١٧.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام ١/ ١٦٦، رقم ٨٣٤.

<<  <   >  >>