للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما قيدت بالدين؛ لأنَّها فيه تخترع، وإليه يضيفها صاحبها.

وأيضًا فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة، كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم.

ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم فمنها ما له أصل في الشريعة ومنها ما ليس له أصل فيها، خص منها ما هو المقصود بالحد، وهو القسم المخترع، أي: طريقة ابتدعت على غير مثالٍ تقدَّمها من الشارع؛ إذ البدعة إنما خاصتها أنها خارجة عمَّا رسمه الشارع، وبهذا القيد انفصلت عن كلِّ ما ظهر لبادي الرأي أنه مخترع، مما هو متعلِّق بالدين، كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأصول الدين وسائر العلوم الخادمة للشريعة فإنَّها وإن لم توجد في الزمان الأُول فأصولها موجودة في الشرع" (١).

وأما موقف ابن عجيبة من بدع الصوفية فإنَّه يقرر كثيرًا منها، ومن البدع التي قرَّرها:

١ - الصلاة عند الأضرحة

قال: "كنتُ أخرج إلى قُبَّة سيدي طلحة أتعبَّد فيها، ومرةً أخرج إلى قُبَّة سيدي عبد الله الفخار فأتعبد فيها ... فكنتُ أصلِّي في الضحى خمسة عشر حزبًا من القرآن، وفي الليل كذلك، ولا أفتر من ذكر الله ليلًا ولا نهارًا فبقيت كذلك أيامًا، فرأيت سيدي طلحة في النوم وأنا عند ضريحه فانحنى عليَّ حتى مسَّ شعر لحيته وجهي" (٢).


(١) الاعتصام ١/ ٤٧.
(٢) الفهرسة، ص ٤٣.

<<  <   >  >>