للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا النهي عند انتفاء هذه العلة، ودلَّ تخصيصهم بالنهي على أنَّ غيرهم يُصلَّى عليه ويُقام على قبره إذ لو كان هذا غير مشروع في حقِّ أحدٍ لم يخصوا بالنهي، ولم يعلل ذلك بكفرهم؛ ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين والقيام على قبورهم من السُّنَّة المتواترة، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي على موتى المسلمين وشرع ذلك لأُمَّته وكان إذا دفن الرجل من أمته يقوم على قبره ويقول: «سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» (١)، وكان يزور قبور أهل البقيع والشهداء بأُحُدٍ ويعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: «السَّلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منَّا والمستأخرين وإنَّا إن شاء الله بكم للاحقون» (٢).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المقبرة فقال: «السَّلام عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون» (٣)، فهذه الزيارة لقبور المؤمنين مقصودها الدعاء لهم، وهذه غير الزيارة المشتركة التي تجوز في قبور الكُفَّار كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّه قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبر أُمِّه فبكى وأبكى من حوله ثم قال: «استأذنتُ ربِّي أن أستغفر لأُمِّي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي» (٤).

فهذه الزيارة التي تنفع في تذكير الموت تشرع، ولو كان المقبور كافرًا بخلاف


(١) أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت ٣/ ٥٥٠، رقم ٣٢٢٣، وصحَّحه الحاكم في المستدرك، كتاب الجنائز ١/ ٥٢٦، رقم ١٣٧٢، وقال: صحيح الإسناد، وجوَّد إسناده النووي في المجموع ٥/ ٢٩٢، وصحَّحه الألباني في الجامع الصغير وزيادته ١/ ٢٢٤، رقم ٩٤٥.
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء ٢/ ٦٦٩، رقم ٢٣٠١.
(٣) أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب ما يقال عند دخول القبر ٣/ ٦٣، رقم ٢٢٢٩.
(٤) أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - في قبر أمه ٣/ ٦٥، رقم ١٦٢٧

<<  <   >  >>