للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمانية، وانتقضت الأصول التوحيدية، وفتح باب الشرك الأعظم، وعادت الرغباب والرهبات، والمقاصد والتوجيهات إلى سُكَّان القبور والأموات، ومن دعا مع الله من سائر المخلوقات، وهذه هي الغاية الشركية، والعبادة الوثنية، فنعوذ بالله من الضلال والشقاء والانحراف عن أسباب الفلاح والهدى ... وعلى القول بجعل الوسائط والشفعاء بين العباد وبين الله تقلع أصول هذا الأصل العظيم، الذي هو قطب رحى الإيمان، وينهدم أساسه الذي ركب عليه البنيان، فأيُّ فرحٍ وأيُّ نعيمٍ وأيُّ فاقةٍ سُدَّت، وأيُّ ضرورةٍ دُفعت، وأيُّ سعادةٍ حصلت، وأيُّ أنسٍ واطمئنانٍ إذا كان التوجُّه والدعاء والاستغاثة والذَّبح والنَّذر لغير الملك الحنَّان المنَّان" (١).

ومن عرف الشرك حق المعرفة يعلم أنَّ من قال: تجوز الاستغاثة والتوسُّل بالأنبياء والصالحين والنذر لهم والحلف وما أشبهه من التعظيم له نصيب وافر من الكذب على الله وعلى رسوله، ومن الصَّد عن سبيل الله وابتغاء العوج، والله المستعان (٢).

أمَّا الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه، فيجوز ذلك، ومثاله: أن يستغيث إنسانٌ مكروب بإنسانٍ قادر، والدليل عليه قول الله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} (٣).

فهذا استغاثةٌ بقادر، فهي صحيحة.


(١) غاية الأماني في الرد على النبهاني ١/ ٣٤٨.
(٢) المرجع نفسه ١/ ٣٥٩.
(٣) سورة القصص: ١٥.

<<  <   >  >>