للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا إذا استغيث بمخلوقٍ في أمرٍ لا يقدر عليه إلا الله - عز وجل - فهذا شركٌ أكبر، وقد أتت النصوص بالوعيد لمن فعل هذا قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (١).

ولقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغلو في تعظيمه، ومدحه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُطروني (٢) كما أطرت النصارى ابن مريم فإنِّما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله» (٣).

ولا شكَّ أنَّ البوصيري في البردة يوجه الدعاء واللياذ والعياذ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا شركٌ صريح.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن (٤): "هذه الأبيات التي مضمونها إخلاص الدعاء واللياذ والرجاء والاعتماد في أضيق الحالات، وأعظم الاضطرار لغير الله فناقضوا الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - بارتكاب ما نهى عنه أعظم مناقضة، وشاقوا الله ورسوله أعظم مشاقة، وذلك أنَّ الشيطان أظهر لهم هذا الشرك العظيم في قالب محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه وأظهر لهم التوحيد والإخلاص الذي بعثه الله به في قالب تنقيصه، وهؤلاء المشركون هم المتنقِّصون الناقصون أفرطوا في تعظيمه بها نهاهم عنه أشد النهي وفرَّطوا في متابعته، فلم يعبأوا بأقواله وأفعاله ولا رضوا بحكمه ولا سلَّموا له، وإنما يحصل تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتعظيم أمره ونهيه، والاهتداء بهديه واتباع سُنَّته، والدعوة إلى دينه


(١) سورة النساء: ٤٨.
(٢) الإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه. ينظر: النهاية في غريب الحديث ٣/ ٢٧١.
(٣) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} ٤/ ١٦٧، رقم ٣٤٤٥.
(٤) هو: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، تفقَّه بنجد، ثم بمصر، نقله إليها إبراهيم باشا بعد استيلائه على الدرعية فيمن نقل من آل سعود وآل الشيخ، ثم عاد إلى نجد سنة ١٢٤١ هـ، وتولى قضاء الرياض، وتوفي فيها عام ١٢٨٥ هـ. ينظر: مشاهير علماء نجد ١/ ٥٩.

<<  <   >  >>