للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصحف مثل ما أنَّ العلم والمعاني في الورق, فكما يُقال: العلم في هذا الكتاب يُقال: الكلام في هذا الكتاب؛ لأنَّ الكلام عندهم هو المعنى القائم بالذات فيصور له المثل بالعلم القائم بالذات لا بالذات نفسها.

وأما الغلط في (الشريعة) فيقالُ لهم: إنَّ القرآن في المصاحف مثل ما أنَّ اسم الله في المصاحف؛ فإنَّ القرآن كلام: فهو محفوظٌ بالقلوب كما يُحفظ الكلام بالقلوب وهو مذكور بالألسن، كما يذكر الكلام بالألسن وهو مكتوب في المصاحف والأوراق، كما أنَّ الكلام يُكتب في المصاحف والأوراق، والكلام الذي هو اللَّفظ يطابق المعنى، ويدلُّ عليه والمعنى يطابق الحقائق الموجودة.

فمن قال: إنَّ القرآن محفوظٌ كما أنَّ الله معلوم، وهو متلوٌّ كما أنَّ الله مذكور، ومكتوب كما أنَّ الرَّسول مكتوب، فقد أخطأ القياس والتمثيل بدرجتين: فإنه جعل وجود الموجودات القائمة بأنفسها بمنزلة وجود العبارة الدالة على المعنى المطابق لها، والمسلمون يعلمون الفرق بين قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} (١) وبين قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} (٢).

فإنَّ القرآن لم ينزل على أحدٍ قبل محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لا لفظه ولا جميع معانيه ولكن أنزل الله ذكره والخبر عنه، كما أنزل ذكر محمَّد والخبر عنه.

فذكر القرآن في زبر الأولين كما أنَّ ذكر محمد في زبر الأولين، وهو مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، فالله ورسوله معلوم بالقلوب مذكور بالألسن، مكتوب في المصحف، كما أن القرآن معلوم لمن قبلنا، مذكور لهم، مكتوب عندهم، وإنما ذاك


(١) سورة الواقعة: ٧٧ - ٧٨.
(٢) سورة الشعراء: ١٩٦.

<<  <   >  >>