للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} (١)، "فإنَّ النبوة ليست بمجرَّد النَّسب والمال، وإنما هي بفضائل نفسانية يَخُصُّ الله بها من يشاء من عباده، بل بمحض الفضل والكرم، فيجتبي لرسالته من علم أنه يصلح لها" (٢).

وهو بهذا الرأي يوافق معتقد الفلاسفة والصوفية, ويُخالف ما عليه أهل السُّنَّة والجماعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وأمَّا المتفلسفة القائلون بقدم العالم وصدوره عن علَّة موجبة، مع إنكارهم أنَّ الله -تعالى- يفعل بقدرته ومشيئته، وأنَّه يعلم الجزئيَّات، فالنُّبوة عندهم فيضٌ يفيضُ على الإنسان بحسب استعداده، وهي مكتسبة عندهم.

ومن كان متميِّزًا في قوته العلمية بحيث يستغني عن التعليم، وشُكِّل في نفسه خطاب يسمعه كما يسمع النائم، وشخص يُخاطبه كما يخاطب النائم، -وفي العملية- بحيث يؤثر في العنصريات تأثيرًا غريبًا- كان نبيًّا عندهم، وهم لا يُثبتون ملكًا مفضَّلًا يأتي بالوحي من الله تعالى ولا ملائكة، بل ولا جنًّا يخرق الله بهم العادات للأنبياء إلا قوى النفس، وقول هؤلاء وإن كان شرًّا من أقوال كُفَّار اليهود والنَّصارى، وهو أبعد الأقوال عمَّا جاءت به الرُّسل، فقد وقع فيه كثيرٌ من المتأخرين الذين لم يُشرق عليهم نور النبوة من المدِّعين للنَّظر العقليّ، والكشف الخيالي الصوفي، وإن كان غاية هؤلاء الأقيسة الفاسدة، والشكِّ، وغاية هؤلاء الخيالات


(١) سورة الأنعام: ١٢٤.
(٢) البحر المديد ٢/ ١٦٧.

<<  <   >  >>