للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية: "قل لهؤلاء المشركين يا محمد: إنما أنا بشرٌ مثلكم من بني آدم، لا علمَ لي إلا ما علَّمني الله، وإنَّ الله يوحي إليَّ أنَّ معبودكم الذي يجب عليكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا: معبودٌ واحد، لا ثانيَ له، ولا شريكَ له" (١).

وكونه - صلى الله عليه وسلم - بشرًا، فإنه يصيبه ما يصيب البشر من أعراض، ولهذا قال الله تعالى رادًّا على المشركين: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} (٢)، ولقد ذكر الله - عز وجل - في كتابه العزيز الأصل الذي خُلق منه البشر قال تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (٣).

قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: "وهذا من نعمه تعالى على عباده، حيث أراهم من آثار قدرته وبديع صنعته، أنْ خَلَقَ أبا الإنس وهو آدم - عليه السلام - {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} أي: من طينٍ مبلول، قد أحكم بله وأتقن، حتى جفّ، فصار له صلصلة وصوت يشبه صوت الفخَّار الذي طبخ على النار.

{وَخَلَقَ الْجَانَّ} أي: أبا الجن، وهو إبليس اللَّعين {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} أي: من لهب النَّار الصافي، أو الذي قد خالطه الدخان، وهذا يدلُّ على شرف عنصر الآدمي المخلوق من الطين والتراب، الذي هو محل الرزانة والثقل والمنافع، بخلاف عنصر الجان وهو النار، التي هي محلُّ الخفَّة والطيش والشَّر والفساد" (٤)، وقال تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} (٥).


(١) جامع البيان في تأويل القرآن ١٨/ ١٣٥.
(٢) سورة الفرقان: ٢٠.
(٣) سورة الرحمن: ١٤.
(٤) تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان ١/ ٨٢٩.
(٥) سورة الإسراء: ٩٣.

<<  <   >  >>