للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ابن جرير في تفسيره: "يقول: هل أنا إلا عبدٌ من عبيده من بني آدم، فكيف أقدر أن أفعل ما سألتموني من هذه الأمور، وإنما يقدر عليها خالقي وخالقكم، وإنما أنا رسولٌ أبلِّغكم ما أُرسلتُ به إليكم، والذي سألتموني أن أفعله بيد الله الذي أنا وأنتم عبيدٌ له، لا يقدر على ذلك غيره" (١).

وأتت النصوص الصريحة مبيِّنة أنَّ أول مخلوق خلقه الله - عز وجل - هو العرش (٢) كما ثبت ذلك في الحديث، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كان الله ولم يكن شيء قبله, وكان عرشه على الماء, ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء» (٣).

وقد يقول قائلٌ: أتنكرون أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نور، وتعارضون نصوص القرآن؟، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (٤).

وقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (٥).

فيجاب عليه بأنَّ بعض المفسِّرين ذكر أنَّ المراد بالنور: هو وصفٌ للقرآن (٦)، وبعضهم قال: "يقول جلَّ شأنُه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب: قد جاءكم يا أهل التوراة والإنجيل من الله نورٌ يعني بالنُّور محمَّدًا، الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشِّرك" (٧).


(١) جامع البيان في تأويل القرآن ١٧/ ٥٥٤.
(٢) اختلف العلماء هل القلم أول المخلوقات أو العرش، والراجح أنَّ العرش أول المخلوقات، وقال ابن حجر: "إنَّ أولية القلم بالنسبة إلى ماعدا الماء والعرش، أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي قيل اكتب أول ما خلق" ينظر: بغية المرتاد، ص ٢٧٦، والصفدية ٢/ ٧٩، وفتح الباري ٦/ ٢٨٩.
(٣) أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ١/ ٣٦٩٨، رقم ٧٤١٨.
(٤) سورة الأحزاب: ٤٥.
(٥) سورة المائدة: ١٥.
(٦) ينظر: تفسير ابن كثير ٢/ ٣٥، وتفسير السعدي ٢/ ١٢٦.
(٧) جامع البيان في تأويل القرآن ٤/ ١٠٤.

<<  <   >  >>