للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا حجَّةَ لكم بهذه الآية بل استدلال لا صلة له بقولكم.

وقال الشاطبي - رحمه الله -: "ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضمِّ أطرافه بعضها لبعض، فإنَّ مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها وعامها المرتَّب على خاصَّها ومطلقها المحمول على مقيَّدها ومجملها المفسَّر ببيِّنها إلى ما سوى ذلك من مناحيها ... فشأن الراسخين تصوّر الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضًا كأعضاء الإنسان إذا صُوِّرت صورة مثمرة وشأن متبعي المتشابهات أخذ دليلٍ ما أي دليل كان عفوًا وأخذًا أوليًّا وإن كان ثم ما يعارضه من كُلِّىٍّ أو جزئيٍّ فكأن العضو الواحد لا يعطي في مفهوم أحكام الشريعة حكمًا حقيقيًّا فمتبعه متبع متشابه ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ ما شهد الله به، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} (١)، (٢).

"ووصف النَّبي بأنَّه نورٌ من نور الله إن أُريد به أنَّه نورٌ ذاتيٌّ من نور الله فهو مخالفٌ للقرآن الدال على بشريته، وإن أُريد بأنه نورٌ باعتبار ما جاء به من الوحي الذي صار سببًا لهداية من شاء من الخلق فهذا صحيح، ولا شكَّ أنَّ نور الرسالة والهداية من الله - عز وجل - قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (٣).


(١) سورة النساء: ١٢٢.
(٢) الاعتصام ١/ ٢٤٤.
(٣) سورة الشورى: ٥١ - ٥٣.

<<  <   >  >>